مطار دمشق "خارج الخدمة"... رسالة متكررة للأسد وإيران

مطار دمشق "خارج الخدمة"... رسالة متكررة للأسد وإيران

مطار دمشق "خارج الخدمة"... رسالة متكررة للأسد وإيران


19/12/2023

مع اندلاع الهجمات المباغتة التي شنتها حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ضدّ إسرائيل، قامت إسرائيل مجدداً بتوجيه ضربات إلى مطار دمشق في سوريا. ويُعدّ استهداف مطار دمشق والضغط على الجبهة السورية من بين الأمور المقصودة ورسالة ضغط للنظام وحليفه الإيراني لعدم توسيع الحرب أبعد من غزة، من جهة، وإبقاء الميليشيات الموالية لإيران عند حدود ما يمكن تسميته قواعد الاشتباك المعروفة، وتفادي تسخين الجبهة بأكثر ممّا يلزم، من جهة أخرى، مع الأخذ في الحسبان أنّ الطرف الروسي يغض الطرف طوال الوقت عن مثل هذه الاستهدافات، ويكتفي ببيانات الإدانة، بل إنّها تتم بتفاهمات غير معلنة بين تل أبيب وموسكو، والأخيرة ترى في هذا الضغط وسيلة لتقويض طهران سياسياً وميدانياً في سوريا، لتنفرد موسكو بالملف السوري.

وعلى خلفية الاستهداف الأخير الذي تعرض له مطار دمشق، أدان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا وسفير روسيا في دمشق ألكسندر يفيموف ضرب إسرائيل مطارات سورية مدنية، موضحاً أنّ "مثل هذه الأفعال في ظل أحداث غزة، هي خطوات غير مسؤولة، محفوفة بعواقب أكثر سلبية على المنطقة".

ونقلت صحيفة (الوطن) السورية الرسمية عن يفيموف قوله إنّ مثل هذه الغارات الجوية "انتهاك صارخ للقانون الدولي ولسيادة سوريا، وموسكو ترفض رفضاً قاطعاً هذه الأعمال التي تُشكّل تهديداً للسكان المدنيين". 

ألكسندر يفيموف: ضربات إسرائيل لمطارات سورية، في ظل أحداث غزة، هي خطوات غير مسؤولة، محفوفة بعواقب أكثر سلبية على المنطقة

وسبق لمعهد واشنطن أن ألمح إلى وجود تنسيق بين إسرائيل وموسكو بشأن الضربات التي تقوم بها الأولى ضدّ مواقع عسكرية للنظام في دمشق، ولحلفائه الإيرانيين، حيث ذكر أنّه "على المدى الطويل سيبرز توجهان رئيسيان يشكلان تحدياً للتنسيق الإسرائيلي الروسي؛ الأول هو هدف إيران وحزب الله القائم على توسيع وجودهما في هضبة الجولان، ففي منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي صدّت قوات حزب الله والقوات السورية حركة الثوار في القنيطرة، واستعادت السيطرة على عدد من المواقع العسكرية المهمة. منذ ذلك الحين كثّف نظام الأسد وشركاؤه عملياتهم في الجنوب، وسيطروا على المزيد من الأراضي بمساعدة الضربات الجوية الروسية. وعلى الرغم من أنّ نطاق هذه الضربات الجوية ما يزال محدوداً، مقارنة بالعمليات التي تتم في شمال سوريا ووسطها، إلا أنّ أيّ توسع لحزب الله وعملاء إيران في القنيطرة أو في محافظة درعا الغربية؛ سيُعتبر تهديداً لإسرائيل. وفي حال ساعدت روسيا على تسهيل هذا التطور من خلال قوتها الجوية، ستكون قدرة إسرائيل على الرد محدودة أكثر.

 

وفق المرصد السوري استهدفت الغارات الإسرائيلية وقتها مستودعاً تابعاً لحزب الله اللبناني في منطقة البحدلية على طريق دمشق الدولي، فضلاً عن نقاط ومواقع أخرى في منطقة السيدة زينب

 

ويردف المعهد الأمريكي؛ أمّا الاتجاه الآخر، والذي غالباً ما يقلل صانعو السياسة الإسرائيلية من شأنه، فهو تعميق العلاقات بين روسيا من جهة وحزب الله وإيران من جهة ثانية. فقد أظهرت النتائج غير الملحوظة للتدخل حتى الآن لموسكو، أنّ للحملة الجوية حدوداً إذا لم تترافق مع قوة برية تتمتع بقدرة عالية. في هذا الصدد أثبتت قوات حزب الله والقوات الإيرانية أنّها فعّالة على بعض الجبهات، وأنّه من شأن عمليات مماثلة أن تقرّب ما بين أعضاء التحالف الروسي، ومع استمرار القتال قد تكتشف موسكو أنّ علاقاتها مع حزب الله وإيران تفوق الاتفاق الضمني للسماح بالغارات الجوية الإسرائيلية ضدهما. في إطار هذا السيناريو سيجد الطيارون الإسرائيليون أنفسهم فجأة تحت تهديد الدفاعات الجوية الروسية المتطورة.

استهدفت إسرائيل مطار دمشق عدة مرات خلال الفترة الممتدة من بداية تاريخ الحرب في غزة، الأمر الذي تسبب في خروجه عن الخدمة، وبعد القصف الأخير مطلع الشهر الحالي توعدت طهران بالرد، وصرّح الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، رداً على سؤال بخصوص تورط إسرائيل في قتل اثنين من الحرس الثوري الإيراني في سوريا قبل نحو أسبوع، بأنّ بلاده "سترد على أيّ هجمات على مصالحها"، مؤكداً أنّه "لا شيء سيمر دون عقاب، وأنّ أيّ عمل ضد مصالح إيران وقواتها الاستشارية في سوريا، لن يجري دون رد". وتزامن ذلك مع استهدافات عسكرية لمطار دمشق ومحيطه، والحديث عن وقوع خسائر في صفوف أعضاء وقادة من الحرس الثوري، نتيجة ضربات جرت في مواقع تحت سيطرة ميليشيات حزب الله بالقرب من دمشق، حسبما وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره لندن.

استهدفت إسرائيل مطار دمشق عدة مرات خلال الفترة الممتدة من بداية تاريخ الحرب في غزة

ووفق المرصد السوري، استهدفت الغارات الإسرائيلية وقتها مستودعاً تابعاً لحزب الله اللبناني في منطقة البحدلية على طريق دمشق الدولي، فضلاً عن نقاط ومواقع أخرى في منطقة السيدة زينب القريبة من جنوب شرق العاصمة، ممّا أدى إلى سقوط قتلى، كما قصفت إسرائيل بـ (8)  صواريخ مواقع في محافظة ريف دمشق الجنوبي الغربي، وموقعاً عسكرياً للجيش السوري شرق بلدة حضر بالقنيطرة، رداً على قصف الجولان.

إذاً، الهجمات الجوية التي تقوم بها إسرائيل، مُستهدفةً مواقع عسكرية داخل الجغرافيا السورية،  لم تكن جديدة، كما أنّها ليست وليدة مرحلة الحرب على غزّة، بل يمكن التأكيد أنّ الاستهداف الإسرائيلي بدأ بشكل فعلي منذ العام 2015، وعلى ضوء تغلغل الميليشيات الإيرانية داخل سوريا. كما يمكن التأكيد على أنّ جميع الهجمات الإسرائيلية كانت غالباً تستهدف مواقع عسكرية تابعة لإيران أو ميليشياتها المنتشرة في سوريا، وخاصة المواقع التابعة لحزب الله، وفق الباحث والمحلل السياسي السوري حسن النيفي. ولكن يمكن أن تكون وتيرة هذه الهجمات قد ازدادت تحسّباً من إسرائيل لقيام حزب الله بشن هجمات صاروخية ضدّ إسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية. علماً بأنّ نظام الأسد تعهّد بعدم التدخل في الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل، كما تعهّد بعدم السماح لحزب الله بإطلاق صواريخ على إسرائيل من الأراضي السورية، وما يزال الأسد ملتزماً بقواعد الاشتباك التي ترسمها إسرائيل.

 

حسن النيفي: ازدياد وتيرة الهجمات الإسرائيلية، وتعطيل المطارات السورية بشكل متكرر؛ يهدف إلى تكثيف الرسائل السياسية والتحذيرات إلى نظام الأسد

 

وبسؤال النيفي عمّا يمكن اعتباره صمتاً روسياً، أو تواطؤاً على هذه الحوادث، بناء على تفاهمات مع إسرائيل، أجاب لـ (حفريات): "لا أعتقد أنّ المسألة ذات صلة بصمت أو تواطؤ روسي، وإنّما تقوم روسيا بدور المنسق بين إسرائيل ونظام الأسد، وهي التي تُلزم الأسد بعدم الرد، التزاماً بالتفاهمات الروسية الإسرائيلية، مع التأكيد على أنّ جميع الهجمات التي تشنها إسرائيل على مواقع سورية إنّما هي بالتنسيق مع الروس؛ باعتبارهم المسيطرين على الأجواء السورية".

ويختتم الباحث والمحلل السياسي السوري حديثه لـ (حفريات) قائلاً: إنّ "ازدياد وتيرة الهجمات الإسرائيلية، وتعطيل المطارات السورية بشكل متكرر؛ يهدف إلى تكثيف الرسائل السياسية والتحذيرات إلى نظام الأسد، وإنذاره على الدوام بعدم التورط بالسماح لميليشيات إيران باستهداف إسرائيل، كما أنهّا يمكن أن تذكر الأسد على الدوام بردود أفعال إسرائيلية، ربما تكون شديدة العواقب، إذا ما قرر الأسد التنصّل من التزاماته الأمنية حيال إسرائيل".

مواضيع ذات صلة:

إسرائيل تقصف دمشق... والأسد يرد على المدنيين في شمال غربي سوريا

التطبيع بين أنقرة ودمشق مؤجل لمدة طويلة

هل تعثرت المصالحة بين دمشق وأنقرة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية