إسرائيل تقصف دمشق... والأسد يرد على المدنيين في شمال غربي سوريا

إسرائيل تقصف دمشق... والأسد يرد على المدنيين في شمال غربي سوريا

إسرائيل تقصف دمشق... والأسد يرد على المدنيين في شمال غربي سوريا


29/11/2023

في حين تقصف إسرائيل عدة مناطق في سوريا، خاصة مطاري دمشق وحلب، منذ حدوث عملية "طوفان الأقصى"، ومن ثمّ اندلاع الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس، فإنّ النظام السوري وحلفاءه لا يحركون ساكناً، للردّ على الضربات الإسرائيلية، بل يقصفون، وبوتيرة متزايدة، مناطق شمال غربي سوريا (مناطق فصائل المعارضة السورية) بشكل شبه يومي، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات التي لا بدّ من طرحها هنا.

ومن هذه التساؤلات: هل تستغل حكومة دمشق وحليفتها موسكو الأحداث الدامية في غزة لشن هجمات عنيفة وغير مسبوقة على شمال غرب سوريا؟ وما الأهداف من وراء زيادة وتيرة هذا التصعيد؟ خاصة أنّه الأكبر منذ العام 2019، بحسب مكتب تنسيق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA).

ماذا نفهم من الصمت الدولي والعربي إزاء قصف النظام السوري للشمال، خاصّة بعد حضور بشار الأسد مؤخراً القمة العربية ـ الإسلامية، التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض بشأن غزة؟ ألا يعني ذلك أنّ دول المنطقة المعنية بالملف السوري نسيت أو تتناسى وجود (الأجسام التي تتصدر المعارضة السورية)، وبالتالي إطالة أمد الأزمة السورية وحصرها في بشار الأسد ومدى استجابته لهم؟

 تصعيد ضدّ شمال غربي سوريا

في صباح يوم الأحد جدّد النظام السوري قصفه على مناطق في ريف إدلب الجنوبي بسوريا، وذلك بعد أقل من (24) ساعة على ارتكاب قواته (مجزرة) في حق المدنيين هناك، والتي أدت إلى مقتل نحو (11) مواطناً بينهم (7) أطفال.

 وبحسب التقارير الصحفية، فإنّ قوات النظام السوري قصفت بالمدفعية والصواريخ قرى وبلدات الفطيرة وكنصفرة وحرش بنين في جبل الزاوية، جنوب شرق محافظة إدلب، وبالطبع يزعم الإعلام الموالي لدمشق أنّ القصف استهدف مقرات تابعة لـ "مجموعات مسلحة"، وهو ما يتعارض مع تقارير المنظمات والمؤسسات الحقوقية السورية المستقلة.

مطار حلب الدولي تعرض مرات عدة للقصف الإسرائيلي

ويوم السبت الماضي قُتل (11) مدنياً من عائلة واحدة، بينهم أطفال وامرأة، في قرية قوقفين جنوبي إدلب، إثر مجزرة بحق عمال زراعيين يعملون في قطاف الزيتون، وقال الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) السبت: إنّ فرقه انتشلت جثامين القتلى وسلمتهم لذويهم.

وأكد ذلك (المرصد السوري لحقوق الإنسان)، وقال: إنّ قوات النظام نفذت (مجزرة) بحق المدنيين في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي. وكان النظام السوري قد قصف المدنيين بقذائف مدفعية عدة، صاحبها تحليق لطائرات الاستطلاع الروسية بسماء المنطقة منذ ساعات الصباح الأولى من اليوم نفسه.

أثّر التصعيد على أكثر من (2300) موقع، وأدى إلى نزوح أكثر من (120) ألف شخص، وهو أكبر تصعيد في شمال غربي سوريا منذ العام 2019

 صحيح أنّ وتيرة الهجمات والاستهدافات العسكرية من قبل قوات دمشق وروسيا انخفضت على الشمال السوري، مقارنة بشهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فقد وثق "الدفاع المدني السوري" مقتل (66) مدنياً، بينهم (23) طفلاً و(13) امرأة، وإصابة أكثر من (270) آخرين، بينهم (79) طفلاً و(47) امرأة و(3) متطوعين في الدفاع المدني، على يد قوات حكومة دمشق وحليفتها روسيا في شمال غربي سوريا، خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

وقد أثّر التصعيد على أكثر من (2300) موقع، وأدى إلى نزوح أكثر من (120) ألف شخص، وهو أكبر تصعيد في شمال غربي سوريا منذ العام 2019، طبقاً لـ (OCHA).

بالتزامن مع هذا التصعيد، تعرّض مطار دمشق الدولي مساء الأحد لغارات إسرائيلية أخرجته عن الخدمة بعد ساعات من تشغيله، في حين سمعت أصوات انفجارات في العاصمة، قيل إنّها ناجمة عن تصدي الدفاعات الجوية التابعة لدمشق للصواريخ، في حين أنّ دمشق لم ترد على هذه الضربات كالعادة، بل اكتفت بالتصريحات والاستنكارات "الرنانة".

المعركة ضد المعارضة مستمرة

في سياق ذلك، قال الكاتب الصحفي السوري عقيل حسين: إنّ أعداد الضحايا إثر قصف قوات دمشق وصل إلى أكثر من (11) شخصاً، ويرى أنّ النظام السوري وحلفاءه لم يتوقفوا عن استهداف المناطق الخارجة عن سيطرته طيلة الأعوام الماضية، حتى بعد تطبيق اتفاقيات خفض التصعيد.

النظام السوري وحلفاؤه لا يحركون ساكناً، للردّ على الضربات الإسرائيلية، بل يقصفون، وبوتيرة متزايدة، مناطق شمال غربي سوريا

وأردف الصحفي السوري لـ (حفريات) أنّه لا جديد في استهداف دمشق ومعها موسكو لمناطق شمال غربي سوريا، وليس من الواضح أهداف هذا التصعيد، ولا يترتب على مثل هذه الأفعال أيّ نتائج عملية على الأرض، ولذلك يعتقد حسين أنّ هدف النظام السوري وحلفائه من زيادة وتيرة التصعيد، هو إثبات وجودهم، وبأنّهم مستمرون في معركتهم مع المعارضة، ولم يتوقفوا عن ذلك، حتى وإن كانت هذه الفصائل المعارضة في حالة هدنة أو سلام مؤقت معهم.

هذا، وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على نحو نصف مساحة إدلب (شمال غرب)، وعلى مناطق متاخمة محدودة في محافظات حلب واللاذقية وحماة المجاورة، وتؤوي المنطقة (3) ملايين شخص نصفهم تقريباً من النازحين.

عقيل حسين: نتائج جهود المعارضة السورية تتوقف على مدى رغبة المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي بالتدخل بشكل جدّي هذه المرة؛ لإنهاء الصراع في سوريا، وتطبيق القرارات الدولية بهذا الخصوص

 وبينما تخضع منطقة شمال غربي سوريا لاتفاقية (موسكو) الموقعة بين روسيا وتركيا، توقفت العمليات العسكرية من معارك وفتح جبهات منذ توقيعها في 5 آذار (مارس) 2020، لكنّ الاتفاق يشهد بين الحين والآخر خروقات واشتباكات وتبادلاً للقصف، فضلاً عن غارات تشنها قوات النظام وحليفتها روسيا، بالتزامن مع نشاط طيران مسيّر روسي في سماء المنطقة يومياً.

نسيان الملف السوري

في ظل جمود الجهود الإقليمية والدولية، للبحث والتشاور بشأن إيجاد حل للأزمة السورية، جرّاء عدم استجابة بشار الأسد حتى الآن لشروط المبادرة العربية، أو مسار "خطوة مقابل خطوة"، فإنّه ليس ثمة أيّ ردود فعل دولية أو عربية تجاه ما يقوم به النظام السوري وروسيا من قصف شبه يومي لمناطق شمال غربي سوريا، منذ بدء الحرب في غزة.

وعلى الرغم من مطالبة (الائتلاف الوطني السوري) بموقف دولي حازم يعزز مسارات المساءلة والمحاسبة الدولية لحكومة دمشق، على ما تقوم به من استهدافات بحق السوريين، ومطالبة الدول الضامنة بوقف إطلاق النار، إلّا أنّه لا توجد أيّ إدانات أو ردود فعل من القوى المعنية بالملف السوري.

وقد طالب (الائتلاف الوطني السوري) في بيان رسمي السبت الدول الضامنة لمسار أستانا بالالتزام بما وقّع بينها من تفاهمات وبروتوكولات خاصة بوقف إطلاق النار، ومنع أيّ أعمال عدائية تستهدف المدنيين والمنشآت العامة، بما يكفل ردع النظام السوري والميليشيات التي تسانده.

عقيل حسين: أعداد الضحايا إثر قصف قوات دمشق وصلت إلى أكثر من (11) شخصاً

ودعا الائتلاف مجلس الأمن الدولي إلى "إدانة جريمة الحرب التي ارتكبت يوم السبت، والتحرك الفعال بمختلف السبل والآليات القانونية والسياسية لإيقاف جرائم نظام الأسد وحلفائه، والعمل الجدي لمحاسبتهم وفرض مزيد من العقوبات الدولية الرادعة لهذا النظام".

كذلك طالب البيان بـ "إيجاد آلية حقيقية لمحاسبة النظام"، مشدداً على أنّه "لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار والسلام المستدامين؛ إلّا عبر إيجاد آلية ملزمة لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (2254)، وتلبية تطلعات الشعب السوري المشروعة، وحقوقه في العيش الآمن والكريم، في دولة الحرية والقانون والعدالة والديمقراطية".

من جانبه، طالب (الدفاع المدني السوري) المجتمع الدولي باتخاذ موقف فعلي رادع لوقف هجمات دمشق وموسكو على مناطق شمال غربي سوريا. وقال الدفاع المدني: إنّ "التصعيد العسكري على شمال غربي سوريا يثبت أنّ نظام الأسد وروسيا مستمران في حربهما على السوريين، وأنّ المجتمع الدولي والأمم المتحدة وكل المنظمات الحقوقية مطالبون بالوقوف بحزم إلى جانب المدنيين، وتحمّل مسؤولياتهم ووقف هجمات نظام الأسد على أكثر من (4) ملايين مدني".

وشدّد الدفاع المدني على ضرورة "العمل بشكل فوري لمحاسبة نظام الأسد وروسيا على جرائمهم"، مؤكداً أنّ "استمرار الإفلات من العقاب على الجرائم هو ما يسمح لنظام الأسد بالاستمرار بقصف الأحياء السكنية والمرافق الحيوية والمدارس دون أيّ رادع".

وبالعودة إلى الصحفي السوري عقيل حسين، فإنّه يرى الصمت الدولي والعربي تجاه قصف دمشق وموسكو أيضاً ليس بجديد. وأشار في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ الاهتمام الدولي والإقليمي بالوضع السوري تراجع بشكل عام.

عدم استجابة الأسد للمبادرة العربية لوضع خارطة طريق للوضع السوري سوف يعقد الوضع السوري أكثر ممّا هو عليه

وبالتالي هذا التراجع سيتزايد، وهذا طبيعي مع اشتعال الحرب في غزة، ولا يدري الصحفي السوري ما إذا كانت الأضواء ستعود إلى القضية السورية بعد انتهاء الحرب في غزة، وهل ستتمّ زيادة الاهتمام الدولي والإقليمي بالملف السوري أم لا؟ رغم أنّ المعارضة السورية بذلت مؤخراً جهوداً من أجل إعادة الملف السوري إلى طاولة الاهتمام.

وخلص الصحفي السوري إلى أنّ "نتائج جهود المعارضة السورية تتوقف على مدى رغبة المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي بالتدخل بشكل جدّي هذه المرة لإنهاء الصراع في سوريا، وتطبيق القرارات الدولية بهذا الخصوص".

ويبدو أنّه مع عدم استجابة الأسد للمبادرة العربية، لوضع خارطة طريق للوضع السوري، فإنّ أمد الوضع السوري سوف يتعقد أكثر ممّا هو عليه، وبالتالي ستزداد وتيرة الهجمات أو الاعتداءات من قبل حكومة دمشق، ومعها حليفتها موسكو، ضدّ مناطق شمال غربي سوريا، بالإضافة إلى أنّ حدة الأزمات ستتفاقم في الداخل السوري، ولا سيّما الأزمة الاقتصادية التي باتت تفوق طاقة تحمّل السوريين اليوم.

مواضيع ذات صلة:

سوريا والعراق: صندوق الرسائل السياسية في زمن الصراعات الإقليمية

احتجاجات السويداء... بوصلة قد تحرك مسار العملية السياسية في سوريا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية