الأسرة الغربية مفككة... اختلاف ثقافي أم سوء فهم بحاجة إلى تصحيح؟.. خبير أسري يجيب

الأسرة الغربية مفككة... اختلاف ثقافي أم سوء فهم بحاجة إلى تصحيح؟

الأسرة الغربية مفككة... اختلاف ثقافي أم سوء فهم بحاجة إلى تصحيح؟.. خبير أسري يجيب


13/07/2023

سوء الفهم قد يتحوَّل إلى بديهيات في الذهنية الشعبية، مثال على ذلك: الاعتقاد بأنّ الأسرة الغربية مفككة، وأنّ الغرب غارق في المادية خلافاً للروحانية العربية الإسلامية. سوء الفهم هذا إن صُحِّح، قد يقلب الوضع؛ فالتفكك الأسري هو سوء تكيف بين أفراد الأسرة يؤدي إلى مشاكل نفسية عميقة. وهو حالة من الخلل الوظيفي ناتج عن تخلي أحد الوالدين أو كليهما عن أدوارهما الأساسية؛ لأسباب عديدة، غالباً ما تتوفر في المنطقة العربية، منها اقتصادية وثقافية وتربوية.

القول إنّ "الأسرة الغربية مفككة" مبني على فكرة استقلال الأبناء عن آبائهم بعد  سنّ الـ (18)،  وعلى أسلوب تعامل الآباء والأبناء القائم على الحوار والنقاش، الذي قد يفضي إلى الاختلاف الصحي في الرأي، خلافاً لعلاقة السمع والطاعة التي تحكم الكبار بالصغار في التربية التقليدية، إلى غيرها من الاختلافات التي ستنظر فيها هذه المادة مستشهدة بنظام رعاية الأطفال وبمراكز رعاية المسنين. وسيصحبنا في مقارنة التجربتين الأخصائي الاجتماعي والخبير في العلاقات الأسرية أنور العُقاب المقيم في السويد منذ أعوام، بعد تجربة أعوام أطول قضاها في اليمن.

التربية التقليدية والحديثة

في المنطقة العربية لا توجد منظومة تحمي الأطفال داخل بيوتهم وخارجها، كما هو الحال في السويد مثلاً، وإن كان هناك قوانين عربية، فلا محل لها من التطبيق؛ لأسباب متعددة، كما يقول العقاب، منها اختلاف تعريف الطفولة وقلة الوعي المجتمعي والمؤسساتي في المنطقة العربية. ستَشْرَع هذه المؤسسات في التدخل عندما تعي أنّ الاهتمام بالأطفال وتعليمهم وتوفير حياة كريمة لهم هو من صميم التنمية والإعداد للمستقبل، انطلاقاً من مقولة مؤسِّسة في علم النفس هي: "الطفل أبو الرجل"، بمعنى أنّ حياة الطفولة بحلوها أو بمرّها، ستنعكس إيجاباً أو سلباً على حياة الطفل /الرجل مستقبلاً.

العقاب: في المنطقة العربية لا توجد منظومة تحمي الأطفال داخل بيوتهم وخارجها، كما هو الحال في السويد مثلاً، وإن كان هناك قوانين عربية، فلا محل لها من التطبيق؛ لأسباب متعددة منها؛ اختلاف تعريف الطفولة وقلة الوعي المجتمعي والمؤسساتي في المنطقة العربية

يرى العُقاب أنّ تربية الطفل على الحرية واحترام الآخرين وتنشئته بشكل سوي نفسياً يسهم في نجاحه كفرد في المستقبل، وسينعكس نجاحه على المجتمع والدولة ككل. فالتربية الصالحة تقع في صميم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمجالات التنموية كافة؛ فالإبداع والإنجاز في هذه المجالات يحتاج إلى أشخاص مستقرين نفسياً، لذلك يحتاج الآباء العرب إلى التخلي عن التربية التقليدية القائمة على الطاعة العمياء ومعاملة الطفل كجندي في معسكر وظيفته التنفيذ دون نقاش. على الآباء الوعي بالتربية الحديثة القائمة على التشجيع والحوار ومعاملة الطفل بنضج لا باعتباره "جاهلاً"، كما يطلق على الطفل في بعض المناطق العربية. اللافت هنا هو ازدواجية التعامل مع هذا الطفل في التنشئة العربية؛ فهو "طفل/ جاهل" لا يعرف شيئاً، في مواقف، وهو "رجل" في عبارة "خليك راجل"، في مواقف أخرى!

تشريع قوانين عربية خاصة بتنظيم العلاقة بين الآباء والأبناء، على غرار القوانين الأوروبية مثلاً، يحتاج إلى وعي، كما تحتاج القوانين النظرية، إن وجدت، إلى آلية تنفيذية. الحديث عن الأطفال هو حديث عن المستقبل، في نظر العقاب، والمجتمع تحكمه الثقافة والقانون، وهذان عنصران شبه غائبين عن المنطقة العربية.

الاهتمام بالأطفال وتعليمهم وتوفير حياة كريمة لهم هو من صميم التنمية والإعداد للمستقبل

يرى العقاب أنّ بلداناً عربية عديدة علمنت الكثير من القوانين الخاصة بالحضانة والختان وحقوق المرأة والطلاق والخلع...، وهناك قوانين عربية تمنع العنف. وبالنظر إلى العرب المقيمين في السويد، والعلاقة بين الجيل الأول والأجيال التالية، نجد أنّ الكثير من الأُسر العربية ما زالت تمارس التربية بشكلها التقليدي. هناك رغبة لدى هؤلاء الآباء في تربية أبنائهم بالطريقة التي تربوا عليها. الجبر والعنف والتدخل في خيارات الأبناء قد يؤدي إلى حل على المدى القصير، لكنّه سيؤثر سلباً على نفسية الأبناء طوال حياتهم. بينما تعطي التربية الحديثة للطفل الحق في التفكير المستقل وفي أن يكون مختلفاً. التربية التقليدية أساسها اجتماعي بالدرجة الأولى، وتنظمها العادات والتقاليد. وفي هذا السياق لا فرق بين مجتمع أو عائلات مسلمة أو مسيحية أو غيرهما من الأديان. هناك عائلات قادمة من الشرق الأوسط وسلوفاكيا وشرق أوروبا ترعبها فكرة التربية الحديثة. وحتى وقت قريب كان ضرب الأطفال سائداً في بعض الدول الأوروبية، ممّا يعني أنّ التربية الحديثة تحتاج إلى وقت وصبر وإلى جهود توعوية ورقابة قانونية لكي تصبح سائدة.

الاستقلال والقطيعة: من الذي يعُقُّ الآخر؟

بسبب التربية التقليدية غير السوية التي يمارسها بعض الآباء في السويد تصبح البيئة التي ينشأ فيها الأطفال غير آمنة، وهذا ما يستدعي تدخل نظام حماية الأطفال، ذلك التدخل الذي يوصف في بعض وسائل الإعلام بأنّه "اختطاف".

تشريع قوانين عربية خاصة بتنظيم العلاقة بين الآباء والأبناء، على غرار القوانين الأوروبية مثلاً، يحتاج إلى وعي، كما تحتاج القوانين النظرية، إن وجدت، إلى آلية تنفيذية

السويد من أوائل الدول التي منعت ضرب الأطفال، لذلك هناك فجوة ثقافية بين أجيال تربت على ثقافة منع العنف ومعاقبة من يمارسه وبين جيل قادم من الشرق الأوسط يرى أنّ ضرب الأطفال وسيلة تربوية. هنا في السويد تعنيف الأطفال نفسياً أو الاعتداء عليهم أو إهانتهم أو توبيخهم كلها جرائم مرفوضة تستدعي تدخل الدولة لحماية الطفل وتوفير بيئة عائلية بديلة مؤقتة. هذا الأمر لا يعجب الآباء فيلجؤون إلى التشويه الإعلامي، دون أن يكون هناك أدلة كافية على تعسف مقصود في معاملة الأطفال من قبل المؤسسة المسؤولة عن حمايتهم.

من المهم أن نعرف، كما يقول العقاب، أنّ سحب الأطفال لا يتم عن طريق مؤسسات الرعاية وإنّما عبر محكمة مختصة تُعيِّن محامياً للأسرة، وهناك موظف تابع للسوسيال يقدم مرافعة للمحكمة، إضافة إلى وجود مؤسسة محايدة وظيفتها مراقبة قضايا سحب الأطفال والتحقيق في الشكاوى المقدمة إليها، إضافة إلى إجراء فحوصات دورية عشوائية في بعض القضايا. وفي كل قضية يتم اختيار موظفَين اثنين بشكل عشوائي ومن قبل طرف ثالث لضمان حياد التحقيق في كل حالة إساءة محتملة. وفي الأخير المحكمة هي التي تقرر سحب الطفل، أو لا، بناء على ما عُرض أمامها من مستندات وأدلة تثبت بشكل قاطع أنّ البيئة التي يعيش فيها الطفل، محل النزاع، غير آمنة.

وفيما يتعلق باختلاف أساليب التربية وأبرز الفوارق بين الأسرة السويدية والأسرة العربية، يقول العقاب: إنّ الأسرة في السويد قائمة على المساواة والتكافؤ بين الرجل والمرأة والأبناء الذين يتخذون القرارات والخيارات مشاركة بناء على هذا الأساس، بينما تتخذ العلاقة الأسرية في المجتمعات التقليدية شكلاً هرميّاً يقف في قمته الرجل/ الأب/ الزوج، الذي يتمتع بسلطة مطلقة، ثم تَحِل الأُم تالياً في اختيار نوع التربية التي يحتاجها أطفالهما، وفي قاع الهرم هناك الأطفال الذين تختلف معاملتهم بناء على جنسهم: أنثى أو ذكر، كبير/ بِكر، أو صغير/ آخر العنقود.

سحب الأطفال لا يتم عن طريق مؤسسات الرعاية وإنّما عبر محكمة مختصة تُعيِّن محامياً للأسرة

الهرم معكوس فيما يتعلق بنجاح أو فشل العلاقة بين الآباء والأبناء، فنجاح العلاقة أو فشلها في السويد، والدول الإسكندنافية عموماً، هو مسؤولية الآباء. ثمّة وعي اجتماعي هنا يرى أنّ جعل العلاقة صحية هي مسؤولية الآباء. بينما يُلقى بعبء فشل العلاقة، في المجتمعات التقليدية، على الأبناء. من هنا ظهر مفهوم "العقوق" الذي يُطلق على سلوك الأبناء تجاه آبائهم، بغضّ النظر عن المعاملة السيئة التي يلاقونها منهم، وهذا يعيدنا إلى مبدأ تملك الأبناء إلى درجة قتلهم، وسيجد الأب تعاطفاً اجتماعياً وقانونياً ودينياً.

الهرم معكوس فيما يتعلق بنجاح أو فشل العلاقة بين الآباء والأبناء، فنجاح العلاقة أو فشلها في السويد، والدول الإسكندنافية عموماً، هو مسؤولية الآباء. ثمّة وعي اجتماعي هنا يرى أنّ جعل العلاقة صحية هي مسؤولية الآباء. بينما يُلقى بعبء فشل العلاقة، في المجتمعات التقليدية، على الأبناء

التربية استثمار، يغذيها الآباء بالذكريات الجميلة، ويحترمون المراحل العمرية التي يمر بها أبناؤهم. وفي العربية مثَل جميل: "إذا كبر ابنك، خاويه"، بمعني أن تكون صديقاً له، لكن يبقى هذا المثل شعاراً لا محلّ له من التطبيق إلّا فيما ندر. 

يضيف العقاب: في السويد يمكن للابن أن ينتقد والده، وسيجد من يتعاطف معه، لكنّه لو فعل هذا في اليمن، فسيُدان بقلة الأدب والعقوق. ويختلف مفهوم العائلة أيضاً، في المنطقة العربية يسود مفهوم "العائلة الكبيرة"/ القبيلة: الأجداد والأعمام والأخوال... إلخ، بينما يسود في السويد مفهوم "العائلة النواة" المكونة من الأب والأم، أو الزوج والزوجة والأطفال. ولا يدخل الأجداد والأخوال والأعمام ضمن تعريف العائلة، لا قانونياً ولا اجتماعياً. وتتحول العلاقة هنا بين الأبناء والآباء إلى علاقة صداقة يحكمها الاختيار، لا الحاجة أو الضرورة أو الإلزام، كما هو سائد في المنطقة العربية والمجتمعات التقليدية حيث يستثمر الآباء أبناءهم لحاجتهم لهم عند عجزهم. أمّا السائد هنا، فليست الحاجة المادية هي ما يربط الآباء بالأبناء؛ فالدولة تتكفل بالعلاج في حالة المرض والرعاية في حالة العجز. وهذا لا يتعارض مع حاجة الأبناء إلى رعاية الآباء والعكس. لكنّ لهذه العلاقة التكافلية إيجابياتها وسلبياتها. هنا يجوز للابن بعد سنّ الـ (18) مغادرة البيت والاستقلال بنفسه، ويساعده في ذلك نظام الرفاه الاجتماعي الذي يسمح له باستئجار شقة، فإن لم يكن له دخل مادي، فستُوفِّر له الدولة بيتاً ومصاريف دراسته إلى غيرها من الاحتياجات. والاستقلال لا يعني القطيعة، وإنّما التهيؤ لمرحلة الاعتماد على الذات.

امتيازات عائلية

خلافاً لما هو شائع عربياً، للعائلة قيمة كبيرة في المجتمع السويدي، وكذلك في النظام القانوني. هناك امتيازات هائلة للعائلة، عندما تنجب الأم طفلاً تحصل على مساعدات عديدة من الدولة وتحصل على إجازات مدفوعة. وهناك إجازات خاصة للعائلات أو لمن لديهم أطفال. ثمّة ثقافة للعائلة تجد نفسها متحققة في رغبة غالبية الشباب السويديين في الارتباط بشريك مناسب من أجل تكوين عائلة وإنجاب الأبناء. غالبية العلاقات بين الجنسين هي أحادية، وقد تستمر مدى الحياة، واللقاءات العائلية مُهمّة بالنسبة إلى المجتمع السويدي. عندما انتشر فيروس كورونا عانى الأحفاد من صعوبة اللقاء بأجدادهم والعكس. قد لا يلتقي أفراد العائلة بشكل مستمر، لكن لا يعني هذا تفككاً، إلا إذا اعتقدنا أنّ العلاقة بين السجناء في زنزانة واحدة لأعوام يحكمها الود والمحبة! واستقلال الأبناء، المكفول قانونياً واجتماعياً وثقافياً، لا يعني القطيعة مع الآباء، هذه كلها أمور يساء فهمها، فيُعتقد أنّها دليل على التفكك.

العلاقات الأسرية في السويد صحية، يتحدث الأبناء مع الآباء كأصدقاء، خلافاً للعلاقة السائدة بين الآباء والأبناء في المجتمعات العربية. هذه العلاقة مسكوت عنها، ولو أتيح نقاش حر ومفتوح، لوجدنا مشاكل نفسية كثيرة بحاجة إلى تدخل طبي. في المنطقة العربية ستجد شخصاً في الأربعين ما زال يدخن دون علم أبيه؛ خوفاً منه، ذلك الخوف الذي يعاد تعريفه بأنّه احترام، وهو في الواقع لعبة يحكمها الكذب؛ فالأب غالباً يعرف أنّ ابنه يدخن، وقسْ على هذا الكثير من الأمثلة. بينما الاحترام هنا قائم على أساس احترام الاختلاف والتنوع، ولا يعني هذا اللامبالاة؛ بقدر ما يعني أنّ التوجيه/ الإرشاد يستلزم الصدق والشفافية لا القسر والإجبار.

المكان الأفضل لكبار السن

لدى الناس هنا في السويد وعي مختلف عن الكيفية التي يهتم بها أفراد الأسرة ببعضهم بعضاً، كما يقول العقاب، مثلاً: يصوِّت أغلب الشعب بشكل واع للأحزاب التي تفرض عليه ضرائب مرتفعة. ثمّة اهتمام غير مباشر بالمسنين. أدفع ضرائب تُقدَّر بأكثر من 30% من راتبي؛ لأنّي أعرف أنّ الدولة ستهتم بأبي وأمي، وستوفر لهما خدمة أفضل بكثير من تلك التي أقدمها لهما في البيت. في دور العجزة هنا يجد كبار السن متخصصين في رعاية الكبار؛ فتراعى مشاعرهم وأمراض الشيخوخة المختلفة، ويهتمون بصحتهم ونظامهم الغذائي بشكل أفضل ممّا لو بقوا في البيت. أن تضع كبار السن في دور العجزة وتزورهم مرة في الأسبوع، أفضل بكثير من أب أو أم يلقيان الإهمال في المنزل. لدى كبار السن في هذه المراكز حقوق يكفلها القانون بشكل أفضل من تلك التي يلاقيها آباء يعيشون في مناطق أخرى مع أبنائهم، لكنّهم يعانون من الإهمال أو إساءة المعاملة.

خلافاً لما هو شائع عربياً، للعائلة قيمة كبيرة في المجتمع السويدي

لا يمكن وصف دُور العجزة بأنّها أسوأ من البقاء مع الأبناء أو وحيدين في منازلهم، أو اعتبارها بأنّها نوع من الإهمال أو اللامبالاة. عندما أكون كبيراً في السن أتمنى أن أكون في واحدة من هذه الدور، وأن أحصل على رعاية من إخصائيين أفضل من أن أبقى في البيت وأشعر بأنّي عبء على أولادي وعلى العائلة كلها، فأعطل أولادي عن أعمالهم، وأحرمهم من حياتهم الطبيعية، وأستمر في تسول الاهتمام ورعاية حاجاتي الخاصة، هذا لا يتعارض مع قيم احترام الكبار واحترام العائلة.

التربية استثمار، يغذيها الآباء بالذكريات الجميلة، ويحترمون المراحل العمرية التي يمر بها أبناؤهم. وفي العربية مثَل جميل: "إذا كبر ابنك، خاويه"، بمعني أن تكون صديقاً له، لكن يبقى هذا المثل شعاراً لا محلّ له من التطبيق إلّا فيما ندر. 

السويدي الموجود اليوم في دار المسنين يحصل على نظام رعاية أفضل من تلك التي حصل عليها والده. يعيش في دار رعاية فيها ممرضون وإخصائيون اجتماعيون ونفسيون وأطباء وأجهزة طبية حديثة، وطباخون يعدون طعاماً يتناسب مع احتياجات كل فرد، ويكون له الحق في طلب نوع الطعام والوقت الذي يرغب في تناوله... كلها مزايا غائبة عن تلك التي يمكن أن يفتقدها وهو في بيته وبين أفراد العائلة غير المؤهلين للتعامل مع كبار السن أو مع من يعانون من أمراض مختلفة مثل الزهايمر وأمراض الشيخوخة الأخرى التي تتطلب مراكز متخصصة ومجهزة بكل وسائل الراحة. وهذا لا يعني بالطبع إجبار من لديه القدرة من الأبناء على التعامل مع آبائهم كبار السن في بيوتهم، لكنّه خيار ينبغي أن يتوفر لمن لا يريد البقاء في المنزل أو لمن ليس لديه منزل.

التربية استثمار، يغذيها الآباء بالذكريات الجميلة، ويحترمون المراحل العمرية التي يمر بها أبناؤهم. وفي العربية مثَل جميل: "إذا كبر ابنك، خاويه"، بمعني أن تكون صديقاً له، لكن يبقى هذا المثل شعاراً لا محلّ له من التطبيق إلّا فيما ندر

إيداع كبار السن في دور المسنين فكرة مستهجنة في المنطقة العربية ودليل إهمال وعقوق. وقد يكون هذا صحيحاً استناداً إلى أنّ هذه الدُّور لا تلقى الاهتمام والرعاية الكافية وتفتقد للكثير من الضروريات، إضافة إلى دور الوازع الديني الذي يحث على مصاحبة الآباء حتى آخر نفس. وغالباً ما يكون البديل لدور المسنين هو المعاملة السيئة في البيوت، أو أنّ من يودع في هذه الدور ينقطع تماماً عن ذويه، وهذا ما لا ينبغي أن يحدث؛ فليست هذه الدور بديلاً عن الأسرة في جانبها الوجداني والنفسي، بينما الأمر خلاف ذلك في السويد حيث تكون هذه المراكز مزودة بأجهزة وكوادر متخصصة تجعل منها مكاناً مرغوباً فيه من قبل المسنين.

يقودنا هذا الاختلاف، في كل ما سبق، إلى نوعين من المجتمعات: المجتمع التعاقدي السائد في الغرب، وهو نتاج الحداثة والرأسمالية، وتعلو فيه قيمة الفرد، ولا يخلو من التراحم، والمجتمع التراحمي السائد في المنطقة العربية، وهو لا يخلو أيضاً من التعاقد أو الفائدة/ المصلحة التي سيجنيها الفرد في الجنة إن هو تعامل برحمة مع والديه، أو في الدنيا كالطمع في الميراث.

لا تعني هذه المقارنات أنّ السويد بلد مثالي أو أنّ النظام السويدي، والنظام الحديث عموماً، أفضل من النظام العربي التقليدي وثقافته، كما يقول العُقاب. مثل هذا النظام التقليدي كان سائداً في السويد قبل (100) عام تقريباً، ثم نُبذ بعد معرفة مساوئه. هذه تجربة اجتماعية مبنية على نظام الرفاه الاجتماعي، ويتم تطويرها بالدراسات والبحوث، وهي نظام مؤسساتي أكثر من كونها نظاماً ثقافياً، ويمكننا نحن ـ العرب ـ الاستفادة من هذه التجربة بدل الهروب إلى إدانتها.

التفكك الأسري موجود في كل مكان، ولا توجد إحصائيات عن نسبته في كل بلد، وقد تكون هذه النسبة أكبر في البلدان العربية. فكرة أنّ الأسرة الغربية مفككة تشبه فكرة أنّ المجتمعات الغربية مادية أو تفتقر للروحانية. وهذه أفكار مبنية على سوء فهم أو اعتقاد بالتفوق. ولو فتشنا عن السبب، فربما نجده في الرغبة في تحقيق تقدم معنوي، نفسي، أو روحي، عجزنا نحن ـ العرب  عن تحقيقه في المجالات المادية. لكنّ الواقع يقول إنّ الإنجاز المادي مرتبط بالتفوق الروحي، ولنا في التفوق الأدبي والفني والثقافي وفي عدد ما يصدر من كتب ومعارف ونظريات ومواد ثقافية وفنية وأدبية وفلسفية ومعرفية، ما يعيد تعريف الروحانية ويصحح صورة الآخر في أذهاننا وثقافتنا.

مواضيع ذات صلة:

كيف تستعير الحرب أدواتها من مطبخ الأسرة؟

إنجاب المرأة باليمن.. فرمانات حوثية تمنع أدوات تنظيم الأسرة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية