الاصطياد في الماء العكر... عن سياسة اللمز والغمز الإخوانية في تونس ومسار حكم قيس سعيد

الاصطياد في الماء العكر... عن سياسة اللمز والغمز الإخوانية في تونس ومسار حكم قيس سعيد

الاصطياد في الماء العكر... عن سياسة اللمز والغمز الإخوانية في تونس ومسار حكم قيس سعيد


12/03/2024

كنوع من الاصطياد في الماء العكر، ورفع درجة الاستقطاب الحاد والانقسام السياسي والمجتمعي، أشار الوزير السابق والقيادي بحركة (النهضة) التونسية رفيق عبد السلام إلى تظاهرات الاتحاد التونسي للشغل، محاولاً التلميح حد التصريح بأنّ تظاهرات النقابة العمالية الأهم والأكبر بتونس وموقعها التاريخي المؤثر هي رصيد مجاني للحركة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، وتعبير عن سلامة موقفها المعارض ضد الرئيس قيس سعيّد الذي يبطش بمعارضيه، غير أنّ "العشرية السوداء" التي ارتبطت بالنهضة تؤكد رفضاً مجتمعياً وشعبياً أسقط حكمهم، وقد جاء الرئيس التونسي بإجراءاته القانونية والدستورية باعتبارها فصل البيان في ما آلت إليه أحوال البلاد.

وقال صهر الغنوشي رفيق عبد السلام في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك): "الاتحاد اضطر أخيراً للعودة إلى ساحة الاحتجاج والتجييش لخوض معركة الوجود، بعد مدة غير قليلة من السكون والكمون، خاصة أنّه وجد نفسه محشوراً في الزاوية الحادة وقياداته مهدة بالسجون والمحاكمات. وسبق للاتحاد، المتحصن بحزامي الوطن وحركة الشعب، أن رقص طرباً لانقلاب 25 تموز (يوليو)، واعتبره إنجازاً عظيماً، وظن أنّ سعيّد سيخلصهم من العدو الأكبر (النهضة) ثم يقاسمهم الغنيمة، ولكنّهم لسوء تدبيرهم، لم يظفروا بشيء سوى تبديد ما تبقى لهم من أرصدة اجتماعية ورمزية".

حراك الاتحاد العام للشغل

وفق موقع (العربية)، فإنّ الآلاف من أنصار "الاتحاد العام التونسي للشغل" نظموا تظاهرة أمام مقر رئاسة الحكومة في العاصمة تنديداً بالوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي .وقال الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي في خطاب أمام المتظاهرين  بوم السبت الفائت: "في كل مرة يشتد الخناق الاقتصادي والاجتماعي والفشل في رسم السياسات والخيارات الوطنية". ورأى أنّ "الحوار الاجتماعي والاقتصادي مغلق تماماً اليوم"، معتبراً أنّ "تمكن الدولة من سداد مستحقات ديونها الخارجية خلال العام 2023 جاء على حساب الشعب وندرة المواد الأساسية".

 الآلاف من أنصار "الاتحاد العام التونسي للشغل" نظموا تظاهرة أمام مقر رئاسة الحكومة في العاصمة تنديداً بالوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي

وعارض نور الدين الطبوبي ما اعتبره "إملاءات صندوق النقد الدولي" على حساب التونسيين. وتقول (العربية): "وكانت البلاد قد توصلت إلى اتفاق أولي مع صندوق النقد الدولي نهاية العام 2022 للحصول على قرض وضخ ملياري دولار في اقتصادها، لكنّ المفاوضات تعثرت حين رفض الرئيس قيس سعيّد الإصلاحات التي أوصت بها المؤسسة المالية الدولية". مشيرة إلى أنّ "الأسواق تشهد في تونس منذ 2023 نقصاً كبيراً في المواد الغذائية الأساسية كالسكر والطحين والأرز التي يتم توريدها من الخارج، وذلك على خلفية الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن تراجع احتياط البلاد من العملة الصعبة. ويواجه الاقتصاد التونسي صعوبات جمة، فقد اقتصر النمو عام 2023 على 0.4%، وفقاً للمعهد الوطني للإحصاء الذي أكد ارتفاع معدل البطالة في نهاية العام المنصرم إلى 16.4%، مقابل 15.2% في نهاية العام 2022. وتشهد البلاد معدلات تضخم مرتفعة (حوالي 8% على مستوى سنوي) يغذيها ارتفاع أسعار الحبوب والطاقة المرتبطة بالغزو الروسي لأوكرانيا".

إعادة الروح للحياة السياسية

في هذا الإطار، أشار الخبير الأمني علي زرمديني إلى أنّ الاستحقاق الانتخابي الرئاسي المقبل في تونس فرصة سانحة لإعادة الروح إلى الحياة السياسية التي تكاد تكون انعدمت في هذه الفترة على خلفية ما يحصل من محاكمات وما يحصل من إجراءات اتخذها رئيس الجمهورية لتعزيز نظام حكمه وتوجهاته، خاصة بعد قرارات 25 تموز (يوليو) التي أفضت إلى دستور جديد وبرلمان جديد. والآن نحن على موعد مع الاستحقاق الرئاسي في خريف هذا العام.

ويتابع العميد السابق في الحرس الوطني تصريحاته لـ (حفريات) بقوله: إنّ اتحاد الشغل ليس لديه خيار الآن أمام الوضع الداخلي الذي يعيشه إلا أن يفرز هذا الخطاب على اعتبار أنّه يعيش ظروفاً استثنائية داخلية على مستوى الهياكل، وأيضاً على مستوى المكتب التنفيذي في حد ذاته الذي يشهد بعض الاختلافات العميقة، التي قد تؤثر على مستقبله. 

بالتالي ينبغي أن نفهم أنّ المنظمة الشغيلة هي مزيج سياسي من مختلف التوجهات والإيديولوجيات السياسية في تونس، من إسلاميين ودستوريين وقوميين وبعثيين، إلى آخره. إذاً هو خليط تجمعه أسس قانونية داخلية، وهذه الأسس أصبحت الآن محل شك بين مختلف الهياكل، الأمر الذي يدعوه الآن أن تكون لديه مواقف اجتماعية وسياسية قد تعيد التوازن الداخلي للمنظمة. يقول علي زرمديني: ورغم أنّ الاتحاد في البدء ساند مسار 25 تموز (يوليو) مساندة مطلقة، لكنّ تلك المساندة كانت مرتبطة بشروط. ونحن نعلم أنّ حركة (النهضة) تعادي في حد ذاتها الهيكل النقابي على اعتبار المواقف التي اتخذها سابقاً حين تحكّمت النهضة في مفاصل البلاد وإدارتها بتلك الفوضى الخلاقة، وأدارتها بتلك العقلية الانتهازية التي حطمت كيان الدولة أو حاولت من خلالها تحطيم كيان الدولة. "هنالك ردة فعل ضد أيّ موقف يأتيه اتحاد الشغل من منطلق عدائي. رأي النهضة لما مسكت بالحكم هادنت اتحاد الشغل لكن كانت في باطنها تكرهه، وهنالك كذلك اختلافات عميقة بين التوجهات الخاصة بالمنظمة الشغيلة وحركة النهضة"

وعليه، تحاول العناصر النهضوية، خصوصاً الموجودة في الخارج، النيل من كيان اتحاد الشغل، لأنّه يبقى في حد ذاته بالنسبة إليهم عدواً وليس منافساً على الساحة. وكل ما يأتي من مواقف ومن أفعال تجاه اتحاد الشغل هي بالأساس نابعة من موقف عدائي. ونحن نستحضر جيداً تلك الأحداث التي حصلت إبّان حكم النهضة على اتحاد الشغل ومهاجمتها بعناصر موالية لها لمقر الاتحاد والتصدي والمواجهة التي كادت تحصل وكادت أن تأتي بأفعال ممكن أن تدخل البلاد في متاهات غير المتاهات، وفق المصدر ذاته. إذاً هذا الموقف نابع من هذا الفكر بالأساس ومن هذا الموقف العدائي، وليس من موقف أنّه اتخذه اتحاد الشغل، سواء في 25 تموز (يوليو) أو ما قبلهما وبعدهما.

تراجع الدور السياسي لاتحاد الشغل 

من جانبه، يشير الأكاديمي التونسي مراد الحاجي إلى أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة نور الدين الطبوبي يعرف حالياً "أحلك فتراته التاريخية" بعد الثورة. فبعد أن كان راعياً للحوار الوطني وجزءاً من الرباعي الذي حصل على جائزة نوبل للسلام، شهد تقهقراً كبيراً بحكم الصراعات التي ظهرت داخله والانحراف عن الديمقراطية الذي شابه. ويردف الحاجي في سياق تصريحاته التي خص بها (حفريات) أنّ سعي الطبوبي وأعضاء من المكتب التنفيذي نحو التمديد لأنفسهم ـ خارج ما يقره النظام الداخلي للاتحاد، وذلك بتنقيح الفصل الـ (20) من قوانين الاتحاد ـ سيؤدي إلى انشقاق العديد من النقابيين، بل إلى رفع قضية في المحاكم لإبطال قرار التمديد.

ويلفت مراد الحاجي إلى أنّ هذه التوطئة ضرورية في حد ذاتها لفهم تموضع اتحاد الشغل في الساحة السياسية. حيث إنّ المنظمة الشغيلة لم تعد قيادتها تملك الشرعية الديمقراطية، بل هي متهمة بالانقلاب على القوانين. ولذلك فكل حديث منها عن الديمقراطية أصبح يقابل بشيء من السخرية. فهي تطالب بما لم تنجح هي نفسها في تحقيقه. هنا يتنزل تصريح الأمين العام نور الدين الطبوبي الذي يبدو لي من وجهة نظري ـ والحديث للمصدر ذاته ـ مجرد تصريح من باب إطلاق بالونات الاختبار. فالرجل يعلم أنّ موقع الاتحاد لم يعد بتلك القوة التي كان عليها. وقد كانت القيادة النقابية هي من أضعفت هذا الموقف. فما فشلت فيه الحكومات الإسلامية المنبثقة عن حركة (النهضة)، وهو إبعاد الناس عن التفافهم حول الاتحاد، نجحت القيادة النقابية في تحقيقه.

بالتالي، لا يمكن أن نفهم ردّ فعل صهر الغنوشي - رفيق عبدالسلام - على تصريح الطبوبي خارج سياق أحداث ما بعد الثورة، فقد تمترست كل القوى المناهضة للإسلاميين بعد الثورة مع الاتحاد، ومثلت معه جبهة معارضة قوية أفشلت الكثير من خطط النهضة. وقد وصل الأمر بالنهضويين إلى اتهام الاتحاد بأنّه عدو الثورة، ووصل أنصارهم إلى حدّ مهاجمة مقرات الاتحاد. وزاد الطين بلة أنّ الاتحاد ساند توجه 25  تموز (يوليو)، ولم يقف موقفاً مناهضاً لما حصل، وهو ما لا يمكن أن ينساه النهضويون، من هنا يمكن القول إنّ تحالف الاتحاد مع النهضة في المسار الانتخابي القادم يبدو مستحيلاً، ومن أهم أسباب استحالة ذلك أنّ حركة النهضة لم تنسَ للاتحاد أنّه قاد كل تحرك معارض ضدها وضد حكمها، ولم تنسَ له أنّه لم يدافع عن الديمقراطية من وجهة نظرها حين بارك مسار 25 تموز (يوليو).

وفي المقابل يمثل الاتحاد معقل اليسار المعارض لكل حركات الإسلام السياسي. وبما أنّ النهضة جزء من جبهة الخلاص الوطني، فيمكن القول إنّ تحالف الجبهة مع الاتحاد أمر صعب التحقق إلا إذا أعادت الجبهة ترتيب بيتها وفكت ارتباطها بالنهضة، وهو ما لا يتوقعه الكثيرون، بحكم أنّ النهضة مكوّن أساسي في هذه الجبهة. أمّا فيما يتعلق بحزب العمال، فهو حاضر بقوة في هياكل الاتحاد، ولذلك يمكن القول إنّ الأحزاب اليسارية التي لها حضور قوي في الاتحاد ستكون مدعومة من الاتحاد، لكنّ هذه الأحزاب تعاني من تشتتها وكثرة عددها وطغيان الزعامتية عليها. ومن هنا، فإنّ الكرة في ملعب الاتحاد واليسار بصفة عامة، الذي لا أتوقع أن يتحالف مع جبهة الخلاص وخاصة مكونيها الرئيسيين النهضة وحركة أمل بقيادة الشابي.

مرحلة حاسمة في تاريخ الاتحاد

ويقول الحاجي: إنّ موقف الاتحاد سيتبلور في الأيام القادمة، إمّا بتكوين جبهة بين الاتحاد واليسار، وإمّا أن يلجأ إلى تكتيك قديم شهده الاتحاد في كل مراحل تأزمه التاريخية، وهو مهادنة السلطة ومساومتها على مصالح طفيفة للعمال وامتيازات للقيادات. ويكفي أن نذكر تصريحاً شهيراً منذ أشهر للطبوبي، حين دعاه البعض إلى أن يتحرك الاتحاد، ويلعب دوراً سياسياً كما تعود، إذ صرح بأنّ الصمت يمكن أن يكون أيضاً نضالاً. ويبدو أنّ الصمت ربما يتواصل من الاتحاد؛ لأنّه في موقف ضعف بسبب انحراف سياساته وضغوط السلطة وتلميحاتها إلى أنّ مقاومة الفساد تنطبق على الجميع، وذاك الخوف الذي يلمح إليه الطبوبي. يضاف إلى ذلك أنّ الكثير من القوى داخل الاتحاد تساند مسار 25 تموز (يوليو).

مواضيع ذات صلة:

هل تنجح تونس في تجفيف المنابع المالية للإخوان؟

في ذكرى "الثورة"... 13 عاماً من الأزمات والخيبات في دفتر إخوان تونس

تونس تجفف منابع الإخوان... قانون جديد لمراقبة تمويل الجمعيات




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية