تحت ضغط التحولات الإقليمية والدولية الحادة: الحكومة البريطانية تواجه التمدد الإخواني

جداريات الإخوان في لندن رسوم مشوهة على حائط متصدع

تحت ضغط التحولات الإقليمية والدولية الحادة: الحكومة البريطانية تواجه التمدد الإخواني


17/03/2024

تبدو ملامح العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وبريطانيا استثنائية ولافتة، على أكثر من مستوى وعمق وسياق، خاصّة فيما يتصل بالحيز التاريخي والتوظيف السياسي لذلك التنظيم، سواء في مصر خلال عقود الملكية أو ما بعد ثورة تمّوز (يوليو) العام 1952، وكذا مع توسع التنظيم وتأسيس ما يعرف بالتنظيم الدولي، واستقرار عدد من القيادات الفارة من بلادها في لندن وكذا العواصم الأوروبية، الأمر الذي يجعل عوامل الارتباط وعناصر الدمج فيما بينهما عصية على التحلل الكامل.

إلى ذلك؛ من الصعوبة بمكان النظر بوجه واحد لقرار بريطانيا الأخير وضع التنظيم على قائمة التطرف، دون التدقيق في سياق القرار، وتداعيات اللحظة الدولية وتطوراتها خلال الشهور الأخيرة، خاصّة مع اندلاع عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، وتصاعد منسوب القلق من التنظيمات الراديكالية، على خلفية تطورات العمليات الميدانية  لحركة (حماس)، والنظر إلى ذلك من خلال تهديد المجتمعات الأوروبية، لا سيّما مع التوتر المتصاعد في البحر الأحمر وتداعياته على الاقتصاد العالمي.

جداريات التنظيم 

تمثل المنصات الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان في برايطانيا واحدة من جداريات التنظيم الذي تراكم خطابه وتحشده نحو دعم المجتمعات المسلمة في الدول الأوروبية، ووضعها على ميزان مقولات التنظيم، كمجتمعات تنمو على هامش المجتمعات الأصلية، وتبث من خلالها سبيكة أفكارها ومقولاتها المذهبية، التي تخاصم بالأصل المجتمع الغربي، وتناهض قيمه وأفكاره بشكل رئيسي.

تُعدّ قناة (الحوار) من أهم المراكز الإعلامية للتنظيم في بريطانيا

وتُعدّ قناة (الحوار) من أهم المراكز الإعلامية للتنظيم في بريطانيا، وتعتبر الوسيط الإعلامي الأهم للجماعة والتنظيم العالمي. ويرجع إنشاء القناة إلى العام 2006، ويقوم على إدارتها عضو الرابطة الإسلامية في بريطانيا وعضو التنظيم الدولي للإخوان المسلمين عزام سلطان التميمي.

التعريف الجديد للتطرف

نحو هذا أدرجت بريطانيا جماعة الإخوان على رأس قائمة التطرف، وفق مقاييس التعريف الحكومي الجديد للتطرف، فقد أعلن وزير المجتمعات المحلية مايكل غوف أنّ "منظمات مثل: الرابطة الإسلامية في بريطانيا، وهي الفرع البريطاني لجماعة الإخوان، ومجموعات أخرى  تثير التوجس من توجهاتها". وأضاف: "سنحاسب هذه المنظمات وغيرها لتقييم ما إذا كانت تلبي تعريفنا للتطرف، وسنتخذ الإجراء المناسب".

وقال: إنّ "الانتشار الشامل للإيديولوجيات المتطرفة يتضح أكثر فأكثر بعد هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ويشكل خطراً حقيقياً على أمن مواطنينا وديمقراطيتنا".

ويهدف التعريف إلى مكافحة ما وصفه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بأنّه "سم" للديمقراطية، محذراً من "زيادة مروعة في الاضطرابات المتطرفة والإجرام" تهدد البلاد بالانتقال إلى "حكم الغوغاء".

علي بوخلاف: بريطانيا كانت تاريخياً ملاذاً للمجموعات المتطرفة لمدة طويلة، وكانت لندن تعتبر ما تقوم به هذه الجماعات

جاءت تصريحات سوناك في خطاب موجّه إلى الأمة، ألقاه في مقر الحكومة البريطانية بعد احتجاجات مستمرة مؤيدة للفلسطينيين في لندن. جدير بالذكر أنّ تأسيس "الرابطة الإسلامية في بريطانيا" كان من خلال القيادي السابق بالجماعة والناطق بلسانها في الغرب حتى اندلاع الربيع العربي، كمال الهلباوي.

في هذا السياق، يشير الكاتب الجزائري علي بوخلاف إلى أنّه في ظل هذه التطورات السياسية الإقليمية والدولية، يمكننا  ترجيح قيام بريطانيا بتضييق الخناق على بعض المنصات الإعلامية والقنوات التلفزيونية التابعة لتنظيم الاخوان، لا سيّما قناة (الحوار)، وبعض الوجوه كعزام التميمي.

ويردف بوخلاف في سياق تصريحاته لـ (حفريات) بقوله: إنّ ذلك غالباً سيكون عبر آلية الضغط على مصادر تمويلهم، وكبح نطاق أنشطتهم كمرحلة تسبق قرارات أكثر شدة، قد تصل إلى إغلاق هذه القنوات، والتضييق الكامل على تحركات الجماعة، ومنع الشخصيات التي تحرض ضد بعض الدول من نشر خطابها، كما فعلت ذلك في بداية الألفية ضدّ بعض النشطاء الذين دعموا الإرهاب في الجزائر ومصر.

أدرجت بريطانيا جماعة الإخوان على رأس قائمة التطرف، وفق مقاييس التعريف الحكومي الجديد للتطرف

ويلفت الصحفي الجزائري علي بوخلاف إلى أنّ بريطانيا كانت تاريخياً ملاذاً للمجموعات المتطرفة لمدة طويلة، وكانت لندن تعتبر ما تقوم به هذه الجماعات، البعض منها تكفيرية وجهادية، عانت منها بعض الدول مثل الجزائر، بأنّها حرية التعبير بدون علمها بأنّه سيأتي يوم تنقل فيه هذه المجموعات عملها إلى داخل الأراضي البريطانية، كما قامت بذلك في بلدان أوروبية أخرى.

ثم ما لبثت أن تفطنت الحكومة البريطانية أخيراً إلى أنّ الإخوان المسلمين لا يستعملون بريطانيا فقط كقاعدة خلفية لضرب بلدان أخرى، بل نقلوا دعاياتهم إلى بريطانيا نفسها عن طريق خطاب متطرف لا يتماشى مع الثقافة الغربية فحسب، بل ينافسها ويعاديها. 

مواجهة خطاب التطرف

الكثير من الجماعات الإسلامية تتخذ من المساجد والمنابر الإعلامية لنشر خطاب متطرف يدعو إلى العنف والانغلاق، ورفض نمط عيش البلدان المستقبلة للمهاجرين المسلمين، إلى درجة أنّ البعض انخرط في المجموعات الإرهابية في أوروبا أو في الشرق الأوسط.

يضاف إلى هذا صعود اليمين المتطرف، الذي يوظف تصرفات بعض المتطرفين الإسلاميين كحجة لرفض المغتربين في الغرب، ممّا دفع الحكومات إلى اتخاذ قرارات قمعية لسحب البساط من تحت أرجل هذا التوجه السياسي، ومحاولة منعه من الوصول إلى السلطة، بحسب المصدر ذاته.

اليمين المتطرف يوظف تصرفات بعض المتطرفين الإسلاميين كحجة لرفض المغتربين في الغرب

من جانبه، يذهب الكاتب والمحلل السياسي عبد الله سلمان إلى أنّ قراءة هذا القرار ينبغي أن تكون من خلال النظر إلى خلفيته وسياقه، خاصة فيما يتصل بتراكم الأنشطة المتزايدة لجماعة الإخوان المسلمين في العديد من الدول، والتي يعتقد أنّها تسهم في تشجيع التطرف والإرهاب. وقد تمّ تسجيل عدة حوادث إرهابية وتورط جماعات متشددة ذات صلة بالإخوان المسلمين في تلك الأنشطة.

ويضيف المحلل السياسي العراقي في حديثه لـ (حفريات) أنّ هناك دوراً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير الخارجية البريطاني في تحفيز هذا القرار، ممّا يعكس التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية. إذ كان لماكرون دور مهم في توجيه الانتباه إلى التهديد الذي يمثله التطرف الإسلامي في أوروبا والعالم بشكل عام، وهذا يتماشى مع جهود بريطانيا لحماية أمنها القومي ومواطنيها.

قراءة هذا القرار ينبغي أن تكون من خلال النظر إلى خلفيته وسياقه

علماً، والحديث للمصدر نفسه، أنّ اقتراح وزير الخارجية البريطاني الحالي ديفيد كامرون، قبل (10) أعوام، بمتابعة نشاط الإخوان المسلمين في بريطانيا، يعكس الاهتمام المستمر بتقييم ومراقبة الأنشطة المحتملة للتنظيمات المتشددة، والتي قد تشكل تهديداً للأمن الوطني.

أمّا عن البدائل والأدوات المتوقع العمل من خلالها في الأفق المنظور، فيذهب الكاتب عبد الله سلمان إلى التأكيد على أنّ الإخوان المسلمين لديهم شبكة واسعة من العلاقات في المجتمع البريطاني، وقد تستمر بعض الجهات السياسية والاستخباراتية البريطانية في دعمهم، ممّا قد يجعلهم يظلون قوة سياسية بعيدة المدى، في ظل خبرتهم في مجال تكوين المؤسسات الدينية بغطائها المدني. 

وربما يفهم من القرار أنّ الخلافات بين المؤسسة الاستخبارية  MI6  التي  صنعت الإخوان المسلمين، وباقي الأحزاب الدينية في العالم الإسلامي، وبين المؤسسات السياسية أصبح كبيراً، وما زال يحظى تنظيم الإخوان بدعم المؤسسة الأمنية، إن لم يكن على صعيد تنظيمي، فهو على أساس العلاقات التخادمية الفردية، بحسب   المصدر نفسه.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية