جيش أوروبي موحد... منافس للناتو أم موالٍ؟

جيش أوروبي موحد... منافس للناتو أم موالٍ؟


23/03/2022

"جيش أوروبي موحد" طرح ليس بجديد، لكنّ الجديد هو ولادة الاتحاد الأوروبي كـ"لاعب عسكري كبير" بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، إلّا أنّ ترجمة هذا الطرح إلى واقع يظلّ رهينة اتفاق القوى السياسية والعسكرية المختلفة في (27) دولة أعضاء التكتل الأوروبي الجيوسياسي.

 وتبنّى، أول من أمس، وزراء دفاع وخارجية الاتحاد الأوروبي استراتيجية أمنية جديدة تُعرف باسم "البوصلة الاستراتيجية"، بموجبها يتم تشكيل "قوة الرد السريع" الأوروبية وقوامها (5) آلاف جندي، وهو إصلاح شامل لمجموعات القتال التابعة للاتحاد الأوروبي التي كانت موجودة فقط على الورق منذ عام 2007.

رئيس اللجنة العسكرية في الاتحاد الأوروبي: إنّ دمج القوات المسلحة أمر صعب للغاية، لكنّه ليس مستحيلاً

ونقلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية عن خبراء قولهم إنّ الحرب الروسية الأوكرانية هي السبب في الولادة المفاجئة للاتحاد الأوروبي كـ"لاعب عسكري كبير"، حيث أعلنت ألمانيا، في تطور غير مسبوق، زيادة إنفاقها الدفاعي بشكل كبير وإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وأرسل الاتحاد الأوروبي، الذي ندّد بالعدوان دون أن يحرك ساكناً، مساعدات عسكرية لأوكرانيا تبلغ قيمتها أكثر من نصف مليار دولار، في تحشيد عسكري هو الأول في القارة العجوز منذ الحرب الباردة.

إقرأ أيضاً : هل يتواجه السوريون على أرض أوكرانيا؟

وأشارت المجلة إلى أنّ الدور العسكري للاتحاد الأوروبي "ما يزال غير واضح بشكل مؤلم"، حيث إنّ الدول الأعضاء لديها آراء مختلفة على نطاق واسع حول هذه المسألة.

هل تستقل أوروبا عن الناتو؟

أُثير موضوع تشكيل "جيش أوروبي موحد" في السابق، ضمن عدة محاولات أوروبية بضمان حماية أمنها القومي في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد في كانون الثاني (يناير) 2020، وتهديدات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب برفع الحماية عن أوروبا في حالة عدم زيادة دول أوروبا إنفاقها العسكري.

وعلى مدار عقود، اعتمد الاتحاد الأوروبي على حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، للاهتمام بالأمن القاري، غير أنّ هناك العديد من التساؤلات حول استطاعة الاتحاد الأوروبي بناء عضلاته العسكرية دون التسبب في "إهانة" للناتو.

جراتسيانو: "قوة الرد السريع" الأوروبية سيكون لها أيضاً عوامل تمكين استراتيجية كانت الولايات المتحدة توفرها في الماضي

وفي سياق محاولات الاستقلال عن حلف شمال الأطلسي "الناتو" بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وقّعت أكثر من (20) دولة من الاتحاد الأوروبي بينها ألمانيا وفرنسا يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 على "سياسة الأمن والدفاع في الاتحاد الأوروبي" بهدف خلق عهد جديد من التكامل العسكري على الصعيد الأوروبي لتدعيم وحدة الاتحاد وجعله أكثر تماسكاً في التعامل مع الأزمات الدولية، وفقاً لموقع الاتحاد الأوروبي على الإنترنت.

 وقال الاتحاد الأوروبي: "الهدف من البوصلة الاستراتيجية هو جعل الاتحاد الأوروبي مزوداً أمنياً أقوى وأكثر قدرة. يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى أن يكون قادراً على حماية مواطنيه والمساهمة في السلم والأمن الدوليين. ويزداد هذا أهمية في وقت عادت فيه الحرب إلى أوروبا، في أعقاب العدوان الروسي غير المبرر ضدّ أوكرانيا، فضلاً عن التحولات الجيوسياسية الكبرى."

إقرأ أيضاً : العقوبات الغربية على موسكو.. لماذا فشلت بعض الشركات العالمية في مغادرة روسيا؟

وأكد الاتحاد "ستعزز هذه البوصلة الاستراتيجية الاستقلال الذاتي الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي وقدرته على العمل مع الشركاء لحماية قيمه ومصالحه".

 وفي هذا الصدد، قال الجنرال الإيطالي جراتسيانو: إنّ "قوة الرد السريع" الأوروبية "سيكون لها أيضاً عوامل تمكين استراتيجية كانت الولايات المتحدة توفرها في الماضي"، إلّا أنّه أوضح: "قدرتنا الجديدة للانتشار السريع في الاتحاد الأوروبي هي محاولة لتلبية الحاجة الأمنية دون التنافس مع الناتو."

حلم ممكن أم مستحيل؟

في حين تؤكد الفوارق والاختلافات العميقة بين الدول الأوروبية أنّ أسطورة "الجيش الموحد" ستظلّ طرحاً حبيس الأدراج، ولن يتعدّى الحبر على الورق، قال الجنرال الإيطالي كلاوديو جراتسيانو رئيس اللجنة العسكرية في الاتحاد الأوروبي، في حوار مع "فورين بوليسي": إنّ "دمج القوات المسلحة أمر صعب للغاية، لكنّه ليس مستحيلاً."

جراتسيانو: "قوة الرد السريع" الأوروبية سيكون لها أيضاً عوامل تمكين استراتيجية كانت الولايات المتحدة توفرها في الماضي

 ووفقاً لجراتسيانو، فإنّ تفعيل الجيش الموحد مرهون بـ"الإرادة السياسية"، مضيفاً: "ما يمكننا القيام به أوّلاً لتعزيز قدراتنا العسكرية هو تحسين إمكانية التشغيل البيني." ولفت إلى أنّه "بعد هذه الحرب، علينا أن نستنتج أنّ الحياة لن تكون كما كانت من قبل، وأنّنا عدنا (70) عاماً على الأقلّ إلى الوراء".

ولدى الاتحاد الأوروبي مجموعات قتال بالفعل، إلّا أنّها تُستخدم في إدارة الاستقرار أو الأزمات الأقل حدة من الحرب، وفقاً لجراتسيانو الذي أكد أنّ هذه المجموعات "لم تُستخدم مطلقاً"، وذلك لأنّه "لم يتمّ التوصل إلى اتفاق أبداً بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن قضايا معيّنة متعلقة بالتكاليف." ونبّه الجنرال الإيطالي إلى أنّ "التعقيد الآخر هو أنّه ينبغي عليهم عدم التنافس مع الناتو".

عقبات وتحديات

حديث الجنرال الإيطالي عن التشغيل البيني لا يخلو من التحديات، ولا سيّما أنّ الاتحاد الأوروبي يضم (27) دولة، بينها اختلافات جوهرية عسكرياً واستراتيجياً ولوجيستياً. وفي هذا الشأن، أوضح جراتسيانو "يستخدم الجيش الأمريكي، وحتى الجيش الروسي، نوعاً واحداً فقط من دبابات القتال الرئيسية. نحن ـ الأوروبيين ـ نُشغل (17) نوعاً مختلفاً، هذا يخلق مشاكل هائلة للصيانة والتوريد والتدريب معاً."

جراتسيانو: قدرتنا الجديدة للانتشار السريع في الاتحاد الأوروبي هي محاولة لتلبية الحاجة الأمنية دون التنافس مع الناتو

وتابع جراتسيانو: "تواجه قواتنا البحرية والجوية مشاكل مماثلة، نحن نتحدث عن ما مجموعه (180) منصة مختلفة، في حين أنّ الولايات المتحدة لديها (30). هذا حقاً عفا عليه الزمن وغير مقبول، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أنّنا ننفق بشكل جماعي أكثر من (250) مليار يورو حوالي (276) مليار دولار سنوياً على الدفاع، وهو مبلغ أكبر بكثير ممّا تنفقه روسيا. نعم، نحن بحاجة إلى إنفاق المزيد، ولكن علينا أيضاً أن ننفق بشكل أفضل، من خلال تجنّب مثل هذه الازدواجية."

دفاع أوروبي أكثر صلابة

منحت الحرب الروسية الأوكرانية الاتحاد الأوروبي الفرصة لتطوير خطة طموحة لتعزيز سياسة الأمن والدفاع في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030.

وفي هذا الصدد، أشار جراتسيانو إلى أنّ رؤساء الدول والحكومات الأوروبية ناقشوا، في فرساي في فرنسا في 11 آذار (مارس) الجاري، ضرورة وفاء الاتحاد الأوروبي بمسؤولياته، بعدما أعادت روسيا الحرب إلى أوروبا.  وقال: "الآن أصبح الاتحاد الأوروبي أكثر اتحاداً من أيّ وقت مضى، وهذا يعطي دفعة لا تُصدّق لبناء اتحاد دفاع أوروبي أكثر صلابة ومصداقية، واتحاد الدفاع هو في الحقيقة الجواب الوحيد الممكن لهذه الأزمة."

إقرأ أيضاً: زيارة وزير خارجية إيران لموسكو... هل تثمر عن تفاهمات حول مفاوضات فيينا؟

وأضاف جراتسيانو: "سنبدأ في تطوير قدرة الانتشار السريع للاتحاد الأوروبي، والتي ستمنحنا الفرصة لنشر قوة معيارية ومتعددة المجالات تصل إلى (5000) جندي، يمكنها التدخل في بيئات (معادية) غير سارية".

وكشف الجنرال الإيطالي أنّه سوف يتمّ توفير هياكل القيادة والتحكم، والجسر الجوي الاستراتيجي، والنقل الاستراتيجي، والمراقبة الاستخباراتية وقدرات الاستطلاع، والدفاع الإلكتروني، والمركبات الجوية بدون طيار، وأصول الاتصالات الفضائية، وأنظمة الحرب الإلكترونية، والدفاع المضاد للصواريخ، وآمل في المستقبل القريب دبابات القتال الرئيسية، والجيل القادم من الطائرات المقاتلة، لقوة الردّ السريع الأوروبية الجديدة. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية