لماذا تضغط القاهرة لحلحلة الأزمة الليبية؟

لماذا تضغط القاهرة لحلحلة الأزمة الليبية؟


11/02/2021

شكل التحرك المصري، في الملف الليبي، مؤخراً، متغيرات سياسية وميدانية عديدة، بعدما وصلت الأحداث لدرجة عنف قصوى، إثر محاولات التصعيد أو بالأحرى الاستفزاز العسكري التركي، ومواصلة تعبئة المرتزقة المسلحين في الميلشيات التابعة لحكومة الوفاق؛ وقد بعث الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، برسائل مباشرة لقوى النزاع، دون تسميتها، حيث شدد على رفض تجاوز منطقتي "الجفرة" و"سرت" الليبيتين.

القاهرة تدخل على خط النزاع الليبي

وتعد سرت، المدينة الواقعة في منتصف الساحل الليبي، ذات أهمية استراتيجية؛ إذ يرتبط امتدادها الساحلي مع مدينة بنغازي، بطول 350 كيلومتراً، وتعد أحد المداخل الرئيسية من الناحية الغربية لـ"الهلال النفطي"، ويقع فيها العديد من خطوط الغاز (حوالي 11خط)، ومحطات النفط (حوالي 3 قنوات غاز)، إضافة إلى العديد من مرافق التخزين، والمصافي، ويمثل النفط الموجود بالمدينة الساحلية أكثر من 60% من صادرات ليبيا النفطية، كما أنّها تؤمّن الطريق إلى موانئ مهمة، مثل السدرة، والبريقة.

انخرطت القاهرة سياسياً مع الفرقاء الليبيين، خلال مراحل النزاع المختلفة؛ وقد شهدت مدينة الغردقة، في النصف الثاني من العام الماضي، اجتماعات مكثفة، برعاية الأمم المتحدة، للوصول إلى أفق سياسي للحل، من خلال تحديد مسار دستوري، يقوم بناء على اتفاق الصخيرات، وكذا مخرجات برلين، كما جرى التشديد على ضرورة نبذ التدخل الخارجي، ورفض الميليشيات المسلحة، كحالة أمنية وسياسية. 

اقرأ أيضاً: دعوة لمجلس الأمن تتعلق بالمرتزقة في ليبيا.. ما هي؟

وخلال الجولة الثانية لملتقى الحوار السياسي الليبي، نهاية الشهر الماضي، والذي بدأ الفصل الأول منه، في أيلول (سبتمبر) العام الماضي، في مدينة الغردقة، تمّ الاتفاق على إيجاد آلية لاختيار سلطة تنفيذية انتقالية؛ ومن ثم، تحديد انتخابات وطنية، يتقرر إجراؤها، في 24 كانون الأول (ديسمبر) العام الحالي، وجرى الاتفاق على ضرورة إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور المعدّ من قبل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، وتحصين المراكز القانونية الجديدة التي ستنتج عن الاستفتاء.

تحرير ليبيا من الانفلات الأمني والسياسي

وتبعاً لذلك، قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان رسمي، نشرته على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "إنّ جمهورية مصر العربية ترحب بالاتفاق الذي تمّ التوصل إليه، بين الأطراف الليبية، في مدينة الغردقة، في إطار المسار الدستوري، تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا".

وأضافت: "نُثمن الجهود التي قادت إلى الاتفاق على إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور، تمهيداً لإجراء الانتخابات الليبية، المقررة يوم 24 كانون الأول (ديسمبر) 2021".

وذكرت الخارجية المصرية أنّ القاهرة "تتطلع لاستضافة الجولة الثالثة والأخيرة للمسار الدستوري في شباط (فبراير) العام الحالي، بحضور المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، في ليبيا، لوضع خارطة الطريق لكل من الاستفتاء والانتخابات".

خلال الجولة الثانية لملتقى الحوار السياسي الليبي، والذي بدأ الفصل الأول منه، العام الماضي، تمّ الاتفاق على إيجاد آلية لاختيار سلطة تنفيذية انتقالية

ولذلك؛ ثمّن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تشكيل المجلس الرئاسي الليبي الجديد والمؤقت، مؤكداً دعمه، الاقتصادي والأمني والعسكري، للمسار السياسي، وقال، أمس (الأربعاء): "نتطلع أن يكون المجلس بداية عهد جديد، تعمل فيه كافة مؤسسات الدولة الليبية بانسجام وبشكل موحد، وبما يعلي المصلحة الوطنية فوق أيّة اعتبارات".

وفي بيان صادر عن رئاسة الجمهورية المصرية، شدّد السيسي على ضرورة "إنهاء الانقسام الليبي الذي كان أحد معوقات المرحلة الماضية، وعانت منه الدولة الليبية وشعبها الشقيق وكذلك سائر الإقليم ودول الجوار".

اقرأ أيضاً: ليبيا: ماذا بعد تشكيل السلطة الانتقالية الجديدة؟

ومن جانبه، لفت رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، إلى أنّ "المساهمة الفعالة والصادقة لمصر في مسارات حل الأزمة الليبية على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية، أثمرت في تقريب وجهات النظر بين مختلف الليبيين، خاصة من خلال المبادئ الأساسية في (إعلان القاهرة)".

وبحسب الباحث في العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام القصاص، فإنّ الموقف المصري، منذ بدايات الأزمة الليبية، كان محدداً وواضحاً، وقد انطلق من عدة مرتكزات؛ من بينها رفض التصعيد العسكري في ليبيا، ورفض تغذية المنطقة بالمرتزقة والإرهابيين، لما يشكله ذلك من تهديدات أمنية على مصر، وكذا الأمن الإقليمي، وبخاصة ما يتصل بحماية الحدود الغربية للدولة.

 الباحث المصري في العلوم السياسية د. عبد السلام القصاص

ويضيف القصاص لـ"حفريات": "ولذلك؛ كان التلويح بالخيار العسكري من الرئيس المصري بعد تهديد قوى إقليمية (من دون تسميتها) بالتقدم إلى سرت والجفرة، أمراً ضرورياً وملحاً، بالنسبة للعقل الإستراتيجي المصري، ومحددات الأمن القومي؛ فبعد الهيمنة على المدن الست المهمة في ليبيا، ستكون السيطرة على المدينتين الساحليتين، بمثابة حصار وسيطرة كلية على ليبيا، سواء من الناحية الاقتصادية، أو الأمنية والعسكرية، وكذا السياسية".

سياسة ملء الفراغ في ليبيا

اجتماعات الجولة الثانية من المسار الدستوري للحوار الليبي، يشارك فيها ممثلون عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين، وبرعاية بعثة الأمم المتحدة.

وقال الناطق الرسمي بلسان مجلس النواب الليبي، عبدالله بليحق، إنّ "اجتماعات المسار الدستوري، انطلقت، بشكل رسمي، بحضور وفدي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة"، مشيراً إلى أنّ "الجلسة الافتتاحية بدأت بكلمة لرئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، اللواء عباس كامل، عبر اتصال مرئي أعرب خلالها عن دعم مصر اللامحدود للأشقاء في ليبيا لإنهاء الأزمة الليبية".

د. عبد السلام القصاص لـ"حفريات": لن تترك القاهرة ليبيا في فخ الإدارة السلبية لقوى النزاع، كما لن تسمح بالفراغ السياسي والإقليمي

ويردف القصاص لـ"حفريات" بأنّ "حدود مصر الغربية، مع ليبيا، تمتد لنحو 1200 كيلومتر، وعليه؛ لن تترك القاهرة ليبيا في فخ الإدارة السلبية لقوى النزاع، كما لن تسمح بالفراغ السياسي والإقليمي، وبالتالي، نجد تمثيل مصر السياسي في الأزمة قوياً ومؤثراً؛ باعتبارها ضمن ملفات الأمن القومي الحيوية والاستراتيجية، وقد تحققت بالفعل متغيرات قطعت الطريق أمام قوى مناوئة، وأحبطت مخططاتها؛ فالأمر بالنسبة للقاهرة يتجاوز التصدي إلى محاولات تركيا للهيمنة على النفط، وكذا بحثها عن الثروات في شرق المتوسط، لكنها تتحرى وضع حد نهائي أمام تمدد قوى بعينها، في ليبيا، وتجميد نشاطها التخريبي في ظل السيولة الأمنية، والفراغ السياسي، الأمر الذي له تداعيات مباشرة على الأمن القومي المصري والعربي".

ومع تنامي سيطرة ميليشيات الوفاق، المدعومة من أنقرة، وسعي الأخيرة إلى تمديد نفوذها، باتجاه سرت ثم إلى منطقة الهلال النفطي، عمدت القاهرة إلى بناء منصة سياسية تجذب من خلالها الفرقاء الليبيين، بحسب الباحث المصري العلوم السياسية، بحيث تهدف إلى حلحلة الأزمة، ووضع أفق سياسي للحل، من خلال مخرجات برلين، وكذا اتفاق الصخيرات، وقد شهد هذا الأمر توافقاً أممياً، وحدث برعاية الأمم المتحدة.

وثمة رفض أوروبي شديد للتحركات التركية، في ليبيا؛ لما قد ينجم عن ذلك من تأثير على مصالح الأوروبيين في ليبيا، بصورة كبيرة، ومن ثم؛ دعمت الدول الأوروبية "إعلان القاهرة"، كما ثمّن الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في 10 حزيران (يونيو) العام الماضي، المبادرة المصرية لحل الأزمة الليبية، قائلاً إنّها "تعزز مقررات مؤتمر برلين".

وشدد مجلس الأمن، مؤخراً، على ضرورة انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا، لجهة دعم السلطة الانتقالية، وضمان نجاح المسار السياسي، حسبما جاء في البيان الذي صاغته المملكة المتحدة، مضيفاً: "يدعو مجلس الأمن السلطة التنفيذية الانتقالية إلى الإسراع في تشكيل حكومة جديدة وجامعة، وإطلاق مصالحة وطنية شاملة.. وانسحاب كلّ القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا من دون مزيد من تأخير".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية