لماذا لا يعني سقوط حكومة عمران خان نهايته؟

لماذا لا يعني سقوط حكومة عمران خان نهايته؟


12/04/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

ها هي حكومة عمران خان تسقط في باكستان بعد أن فقدت تصويتاً بانعدام الثّقة في الجمعيّة الوطنيّة في وقت متأخّر من يوم السّبت. التّباين بين كون هذا الإجراء الأوّل من نوعه، من حيث النّجاح، في التّاريخ البرلمانيّ للبلاد، ووجود سلسلة غير منقطعة من رؤساء الوزراء الذين فشلوا في إتمام مدّتهم بانتقالٍ "طبيعيّ" للسّلطة يترك الكثرة منقسمة حول كيفيّة فهم هذه الّلحظة.

هل كانت الّلحظة انتصاراً للدّيمقراطيّة أم، كما يدّعي خان وأنصاره، هزيمة للسّيادة الشّعبية على يد قوى أجنبيّة ومحلّيّة؟

اقرأ أيضاً: ما دور أمريكا في الإطاحة بعمران خان؟ وهل يحكم الإخوان باكستان؟

لا يستوعب أيّ من الإطارين النّظامَ السّياسيّ "الهجين" في باكستان، حيث يتمتّع التّصويت، والمحاكم، والجيش بشرعيّة عميقة لدى الجمهور، وإن لم يكن أحد هذه العناصر يتمتّع بذلك بالضّرورة في نظر الآخر. وفي الوقت نفسه، فإنّ الدّستور نفسه - على الرّغم من استمتاعه بشرعيّة لا جدال فيها - لا يُقدّم مخطّطاً لكيفيّة التّوفيق في الواقع بين مراكز السّلطة هذه المتنافسة في كثير من الأحيان. ويُعدّ هذا التّنافس واحداً من المصادر الأساسيّة للاضطّراب الذي يُلمّ بالبلاد، وهو صورة لا يمكن رسمها إلّا في ظلال رماديّة.

الأعمدة الثّلاثة للنظام

في العقود القليلة الأولى التّالية لاستقلال عام 1947، كانت الأعمدة الثّلاثة الرّئيسة التي استراح عليها النّظام السّياسيّ الباكستانيّ هي الجيش، والخدمة المدنيّة، وطبقة ذوي الأملاك. كان ذو الفقار علي بوتو، رئيس الوزراء من 1973-1977، شخصيّة مؤيّدة للجيش استولت على السّلطة بتأييد شعبويّ. وقد أخضع الخدمة المدنيّة للسّياسيّين، قبل أن يختصم مع زملائه السّياسيّين والجيش. وبحلول أواخر الثّمانينيّات، كانت المحاكم - مدعومة من نقابات المحامين - قد استبدلت البيروقراطيّين كدعامة مستقلّة للنّظام. تقبّل الجيش في نهاية المطاف هذه الحقيقة بعد نجاح حركة المحامين التي أنهت ديكتاتوريّة الجنرال برويز مشرف العسكريّة في عام 2008. ومنذ ذلك الحين، استندت "المؤسّسة" إلى إجماعٍ بين الجيش والقضاء الأعلى. وقدّم خان نفسه على أنّه أوّل سياسيّ صادق ينضمّ إلى ذلك التّوافق المؤسّسيّ.

أُطيح بعمران خان من منصب رئيس وزراء باكستان بناءً على اقتراح بحجب الثقة في ساعة متأخرة من مساء السبت

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ السّياسيّين المدنيّين الفرديّين ليسوا بالضّرورة ملتزمين دائماً بالدّيمقراطيّة الّليبراليّة. في الواقع، حاول الأقوياء منهم في كثير من الأحيان تعزيز السّلطة بطريقة غير ليبراليّة أو غير دستوريّة، ممّا أثار أزمات سياسيّة. كان هذا ما فعله بوتو في السّبعينيّات، ونواز شريف، رئيس وزراء سابق آخر، في التّسعينيّات، وهو ما حاول خان القيام به بعد انتخابه في عام 2018. من خلال عزل الأحزاب السّياسية الأخرى وغيرها من المؤسّسات القويّة، جعلوا أنفسهم عرضة لخطر الإطاحة، وبشّروا حتماً بفترات هيمنة عسكريّة أكبر.

في العقود القليلة الأولى التّالية لاستقلال عام 1947، كانت الأعمدة الثّلاثة الرّئيسة التي استراح عليها النّظام السّياسيّ الباكستانيّ هي الجيش، والخدمة المدنيّة، وطبقة ذوي الأملاك

مثل بوتو، استند صعود خان إلى مزيجٍ قوميٍّ من السّياسة الموالية للجيش والشّعبويّة أخفى ميولاً سلطويّة. ومثل بوتو، لوحظ في خان عرضه إحساساً  بالمهمّة التّاريخيّة اتّسم بالمبالغة. ومثل بوتو، لجأ بشكل متزايد إلى الشّعبويّة المناهضة لأمريكا حيث كان عليه أن يدفع ثمن تأثير سياساته الاستقطابيّة في بعض الأحيان.

الخطاب الشعبوي لخان

ومثل بوتو، من المحتمل ألّا يتراخى خان في سعيه للحصول على السّلطة وأن يحوّل بشكل متزايد خطابه الشّعبويّ مباشرة ضدّ الجيش، والقضاء، والبرلمان، وحتّى الدّستور. وبالتّالي، فإنّ سعي الجيش لتحقيق استقرار سياسيّ أكبر وحوكمة اقتصاديّة أفضل سيُشبَع جزئيّاً فقط برحيل خان. من المحتمل أن نرى حملة ممتدّة من التّحريض تهدف إلى تعبئة الدّعم لرئيس الوزراء المخلوع وحزبه للانتخابات المقبلة، المقرّر عقدها، حتّى هذه الّلحظة، في آب (أغسطس) 2023، والسّعي إلى نزع الشّرعيّة عن مراكز السّلطة المذكورة أعلاه إذا فشلت في تقديم النّتيجة التي يرغب بها خان.

 

اقرأ أيضاً: الإطاحة بعمران خان... ما الخيارات المتاحة أمامه؟ ومن سيخلفه؟

كانت استجابة المؤسّسة لتهديد بوتو المستمرّ للاستقرار بعد الإطاحة به في عام 1977 مباشِرة: شنقوه بعد عامين. وعند قيامها بذلك، حوّلت بوتو من سلطويّ مُسبّب للخِلاف بشكل شديد إلى شهيد سياسيّ يطارِد الجيش بشكل خاصّ منذ ذلك الحين. من غير المرجّح أن يرتكبوا الخطأ نفسه مرّتين. ومع ذلك، هناك فارق واحد مهم: كان من المرجّح فوز بوتو في الانتخابات التي خُطّط عقدها في أعقاب الانقلاب، لكن يبدو من غير المرجّح أن يكون خان في الوضعيّة نفسها.

زعيما المعارضة الباكستانية: بيلاوال بوتو زرداري، إلى اليسار، وشهباز شريف في إسلام أباد الأسبوع الماضي

من غير الحكيم على الأرجح التّنبّؤ بقيادة وتشكيل الحكومة القادمة، لكن من الواضح أن شهباز شريف، شقيق رئيس الوزراء السّابق لثلاث مرّات نواز شريف، سيلعب دوراً مهمّاً. شغل شهباز شريف ثلاث مدّد كوزير رئيس فعّال ويحظى بشعبيّة في مقاطعة البنجاب، أكثر الوحدات كثافة سكّانيّة وأهميّة سياسيّة داخل البلاد. ولا يبدو أنّ عدم ثقة العسكريّين العميقة في نواز، الذي مُنِع قانونيّاً بعد الإطاحة به في عام 2017 من التّرشّح للمناصب السّياسيّة مدى الحياة لاتّهامه بالفساد، تمتدّ إلى شهباز، الذي يُنظَر إليه على أنّه "معقول".

شريف مهتم بالتفاصيل

من شأن حكومة يقودها شريف، الذي يشتهر باهتمامه بالتّفاصيل وبنمطٍ إداريّ دقيق للحكم، أن تُظهِر تبايناً صارخاً مع نمط صنع القرار الارتجاليّ الذي بدا مميّزاً لخان. إنّ تركيز شريف على البنية التّحتيّة المادّيّة والكفاءة التّكنوقراطيّة قد يجلب تعاطفاً كبيراً من قِبل الكثيرين. لكن من المرجّح أيضاً أن يواجه التّحدّيّات نفسها التي واجهتها كلّ حكومة أخرى في تاريخ باكستان، بما في ذلك صراع سلطة تُتاح فيه كلّ الأساليب، وتحدّيّات اقتصاديّة هائلة، وجيش مُراقِب وجائع للموارد ولديه من الرّوافع السّياسيّة ما يفوق ما لدى الحكومة.

قد يكون عمر خان وحزبه مفيدين كعصا لإبقاء الحكومة الجديدة منضبطة، أو حتّى كخيار احتياطيّ إذا أثبتوا أنّهم متعنّتون للغاية في مواجهة تفضيلات المؤسّسة

هناك عدد قليل من النّهايات السّعيدة في السّياسة الباكستانيّة جزئيّاً لأنّ هناك عدداً قليلاً جدّاً من النّهايات الدّائمة. يبدو أنّه ثمّة فرع من عائلة شريف، بقيادة شهباز شريف، في الطّريق إلى الأعلى، في حين أنّ خان وشركاه في الطّريق إلى أسفل. لكن يجب ألّا نتوقّع بالضرورة أن يكون هذا أكثر ديمومة من أيّ لحظة أخرى في التّاريخ السّياسيّ الحديث. قد يكون خان وحزبه مفيدين كعصا لإبقاء الحكومة الجديدة منضبطة، أو حتّى كخيار احتياطيّ إذا أثبتوا أنّهم متعنّتون للغاية في مواجهة تفضيلات المؤسّسة.

 

اقرأ أيضاً: أبرز 4 مُحددات تتحكم في مستقبل العلاقات الإيرانية الباكستانية

على مدى عقود، أفادت الحرب السّياسيّة الكلّيّة بين سلالتي الشّريف وبوتو إلى حدّ كبير الجيش. وساعدت الهدنة التي وصلوا إليها إلى تمهيد الطّريق لتعميق الدّيمقراطية الباكستانيّة منذ عام 2008 فصاعداً. وإرث خان الكبير في هذه السياق هو تعطيل تلك الهدنة وإعادة الهيمنة العسكريّة. ربما الآن، بعد أن استطعم مرارة مثل هذا التّدخّل، يمكنه الانضمام إلى توافق الآراء المدنيّ والمساعدة أخيراً على خلق "باكستان الجديدة" التي وعد بها لأعوام عديدة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

يوهان تشاكو، ذي ناشونال، 10 نيسان (أبريل) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/04/10/imran-khan-wont-quit-pakistan-politics-anytime-soon/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية