هل ستتعلم إيران من مصير وكلائها؟

هل ستتعلم إيران من مصير وكلائها؟


06/02/2022

فاروق يوسف

في الوقت الذي يعلن فيه السفير الإيراني في بغداد عن أن جولة خامسة من المفاوضات ستُعقد في بغداد بين بلاده والسعودية تقوم جماعة مسلحة مجهولة الهوية (حسب بيانها) بإطلاق طائرات مسيرة في اتجاه العاصمة الامارتية أبوظبي.

ذلك سلوك عُرفت به إيران. فهي تقول شيئا وتفعل ما يناقضه تماما. لغتها في المفاوضات هي غير لغتها في الواقع. أكانت أوروبا حائرة حقا في ما يتعلق بتفسير وفهم تلك الازدواجية؟ في الحيرة الأوروبية قدر لافت من المبالغة. ذلك لأن أكثر من أربعين سنة هي عمر نظام الملالي أثبتت أن ذلك النظام يفعل ما يراه مناسبا له بغض النظر عما يلحقه ذلك الفعل من اضرار بالآخرين.

وهو يقوم بذلك في اللحظة التي يشعر فيها أن رد فعل الآخرين لن يكون قويا وأن هناك نوعا من التردد مصدره رغبة الآخرين في أن يتفادوا حربا ليست ضرورية ولا تتحملها المنطقة. اما لو شعر النظام الإيراني أن الرد سيكون صاعقا وعنيفا فإنه يتحاشى القيام بأي فعل استفزازي كما هو الحال مع إسرائيل. فإيران بالرغم مما تتعرض له قواعدها في سوريا من ضربات إسرائيلية فإنها لم تقم بشيء ما يمكن أن يشكل استفزازا لإسرائيل. تركت الأمر لبلاغة الأسد "الرد المناسب في الوقت المناسب" وهو ما يعني أن شيئا ما لن يحدث.

اما وكلاء إيران فإنهم تفرغوا لحروبها الأخرى فصارت تصرفاتهم العدوانية تجسيدا لسلوكها المزدوج. فلا يمكن عزل مفاوضاتها مع السعودية التي هي ليست مفاوضات فك اشتباك، بل هي مفاوضات سياسية بالدرجة الأولى عن الحرب التي تشنها على دولة الامارات من الجنوب حيث الحوثيون ومن الشمال حيث الميليشيات العراقية التابعة لحرسها الثوري. الامارات هي شريك إستراتيجي للسعودية، وأمن البلدين لا يمكن سوى أن يكون واحدا.

فهل الطائرات الإيرانية المسيرة التي وجهت إلى الامارات هي رسالة إلى السعودية وهي جزء من المفاوضات؟ تلك فكرة تنبعث من عقل عبثي تخريبي مريض لا يرى مستقبلا لأية علاقة يمكن أن تُقام مع إيران وهي دولة حرب دائمة ليس من الضروري معرفة أسبابها أما أهدافها فواضحة. نشر الذعر في المنطقة من أجل الابقاء على حالة الاستقرار التي من شأنها أن تعزز نفوذها في الدول التي استطاعت أن تملأ الفراغ الذي نتج عن انهيار المفاهيم الوطنية فيها.

تريد إيران أن تضغط على السعودية من خلال حرب غير مباشرة تشنها عن طريق وكلائها على دولة الامارات. وهي في الوقت نفسه تسعى إلى الضغط على الولايات المتحدة في محادثات فيينا وذلك من خلال اشعارها بأن مصالحها القريبة مهددة بالاستهداف منذ صارت تحت نار الميليشيات. من المؤكد أنه الغباء الإيراني في فهم العالم هو الذي يدفع دولة الملالي إلى المجازفة معتقدة أن العالم لا يحملها مسؤولية تصرفات وكلائها العدوانية.

ليس مهماً من أين تنطلق الصواريخ والمسيرات الإيرانية لتستهدف هذه الدولة العربية أو تلك. فالعراق على سبيل المثال ليس في حالة حرب مع الامارات. وجود حكومة ضعيفة فيه لا يفسر قيام جماعة مسلحة بقصف الامارات. فلو لم تزود إيران تلك الجماعة بالأسلحة التي تستهدف بها الامارات لما استطاعت تلك الجماعة أن ترتكب جريمتها كما السؤال عن هدف تلك الجريمة يمكن العثور على جوابه في طهران وليس في بغداد. فالحكومة العراقية لم تعلق بشيء وهذا دليل قوي على أن المسألة تتجاوزها لتكون جزء من حرب إيران على الآخرين وهي لا تقوى على أن تقول رأيها بتلك الحرب.

وكلاء إيران هم واجهتها في الخارج. يحاربون بدلا منها. الحوثيون في اليمن وحزب الله في لبنان وسوريا والحشد الشعبي في العراق. هل يمكن القبول باتفاق نووي لا يشمل الوكلاء ويترك يد إيران قادرة على العبث بمصائر الشعوب؟ ذلك سؤال موجه إلى المجتمع الدولي وليس إلى الولايات المتحدة وحدها. ولكن هناك هامش لحيوية وإرادة الشعوب وهو هامش لن تتمكن إيران من تضييقه أو اللعب به أو تشويه نتائج فاعليته. فالوقائع تقول إن الحشد الشعبي يعيش اليوم مرحلة افوله وانهيار مكانته الشعبية وفقدانه لنفوذه اما حزب الله فإنه صنع أزمة هي أكبر منه ولن ينجو من تداعياتها. هذا في الوقت الذي يفقد الحوثيون فيه المبادرة في جبهات عديدة وسيكون من الصعب عليهم الاستمرار في قصف أراضي المملكة أو توجيه المسيرات إلى الامارات في ظل التهديد بإعادتهم إلى حظيرة الجماعات الارهابية.

ألا يعني ذلك أن سلوك إيران المزدوج قد انتهى إلى طريق مسدودة؟

لن تعيد إيران النظر في سياستها. لذلك فإن حربها على الآخرين لن تستمر بالوكالة، بل سيكون عليها أن تواجه وضعا استثنائيا سيحرمها من الحركة.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية