حسن حنفي: لا تعارض بين اليسار والإسلام الحقيقي

حسن حنفي: لا تعارض بين اليسار والإسلام الحقيقي


09/01/2019

أعرب المفكر المصري د. حسن حنفي عن اعتقاده بأنه لا تعارض بين اليسار وبين الإسلام الحقيقي؛ فالإسلام ليبرالي يدافع عن الحريات العامة، وهو عروبي لأنه ثقافة العرب شعراً وسياسة، وهو اشتراكي، كما أكد كثير من كتابنا في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، وقد رأينا مثل ذلك التوافق بين المسيحية والاشتراكية عبر "لاهوت التحرير" في أمريكا اللاتينية.

اقرأ أيضاً: المسلمون بين السماحة والتسامح.. لماذا تناسينا قيم الإسلام الحقيقية؟

وعزا حنفي، في حوار مع مجلة "الفيصل" السعودية، عدم نجاح "اليسار الإسلامي" كتيار مجتمعي في الظهور والبروز؛ إلى أنه ليس وراءه جماعة حزبية أو دينية، "لذا فقد اكتفى بالطرح النظري المجرد؛ لأنه ابتعد من السلطة ومكايد الوصول إلى الحكم، وما زالت فكرته محاصرة بين اليمين الديني واليسار العلماني"، لافتاً إلى أنّ تكوين جماعة سياسية يتطلب وجود قوى تنظيمية هائلة وتوافر تمويل ضخم، وهو ما لم يتوافر لـ"اليسار الإسلامي" الذي ما فتئ "مجرد طرح نظري استدعاه الخصام الأيديولوجي والصراع السياسي في الوطن العربي".

لماذا لم ينجح "اليسار الإسلامي"؟

بيْد أنه استدرك بأنّ ما يبدو في الظاهر هو عدم نجاح "اليسار الإسلامي" على المستوى العملي، "لكن العديد من القوى التقدمية بدأت تلامس أفكاره وتوجهاته، ولا سيما في دول مثل المغرب وتونس وماليزيا وتركيا وإندونيسيا.. وما زالت ترد خطابات عن الرغبة في تكوين ائتلاف شيوعي إسلامي أو إسلامي شيوعي. لكن الأمر قد يحتاج إلى مزيد من الوقت، حتى تتحول فكرة هذا التيار إلى حركة اجتماعية تؤثر في مسار التاريخ وحركة المجتمع".

حنفي: قابلت الجابري وتحدثت إليه وقرأته ضمن حوار المشرق والمغرب، وتأكدت أنه لم يكن لديه مشروع منذ بداية حياته

وأجرى الحوار مع حنفي الكاتب المصري محمود قرني الذي نوه إلى أنّ المفكر المصري يتفق مع كثير من الباحثين والمفكرين على أنّ ابن تيمية والغزالي وغيرهما حققوا نصراً أشعريّاً ضد علماء الكلام والمعتزليين عامة، وهو الأمر الذي جعل النهايات تفضي إلى ما نحن فيه. ورغم أنّ هؤلاء المعتزليين كانوا جزءاً من بنية تسلطية أسست لإمبراطورية واسعة قامت على الطاعة، فإنها حققت نصراً ساحقاً لأنها كانت الأكثر براغماتية، وهو أمر يبدو من الحتميات السياسية. ومع ذلك فإنّ حنفي يرفض الهوية ذات المرجعية الدينية والعرقية والطائفية، مقابل الدعوة لهوية إنسانية نابعة من الذات لتستطيع تجاوز التفاوت والتفرقة بين البشر.

وبيّن حنفي أنّ الغرب ما يزال ضحية بعض الصور النمطية المؤثرة فيه مثل ربط الإسلام بـ"التخلف والإرهاب واللاعقلانية"، إلخ. فإذا حاول أحد أن يبين حقيقة المرأة في الإسلام، التنمية والتقدم في الإسلام وأعطى أسئلة من التاريخ انزعج الغرب من هؤلاء المفكرين الجدد الذين يحاولون تجاوز الصور النمطية التي اعتادوا عليها منذ أيام الاستشراق والاستعمار إلى آخره، وبالتالي أنا أحزن عندما أرى في وسائل الإعلام المصرية أن الرجل يضرب المرأة.

غلاف كتاب "من النقل إلى العقل"

هكذا واجهتُ الخطاب السلفي

وعلق حنفي على ذلك: نحن نعطي من يريد تشويهنا المادة التي يشوهنا بها ومن ثم فإنّ أهمية اليسار الإسلامي هو الخطاب الثالث. فقد واجهتُ الخطاب السلفي الذي يعرف كيف يأخذ ولكنه لا يعرف ماذا يأخذ. فهو يدعونني إلى الأخذ بالأحكام كافة الحدود ومنع الاختلاط وكذا. ثم يتحدث أيضاً عن الحرية والديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية لكنه لا يعرف كيف الوصول إليها في الواقع، فهو مرة يسميها اشتراكية ومرة يسميها قومية ومرة ليبرالية.

اقرأ أيضاً: لماذا لم ينجح اليسار في تونس رغم إخفاق الإسلاميين؟

وأوضح: أنا أريد أن أعطي خطاباً ثالثاً يعرف كيف يقول؛ أي يستعمل لغة التراث الإسلامي الذي تحول إلى ثقافة شعبية وماذا يقول ليتحدث عن مصالح الناس. فما زال يؤثر فينا ما حدث للمصري الذي ضربه ابن عمرو بن العاص عندما قال له عمر: لماذا استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ هذه هي الليبرالية. عرابي وقف أمام الخديوي توفيق في قصر عابدين وقال له قولته الشهيرة التي صارت مثلاً: "إنّ الله خلقنا أحراراً ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً، فوالله لن نستعبد ولن نورث بعد اليوم". لقد أخذ الرجل مطالب الناس وعبَّر عن رغبتهم في انتزاع الحرية. الأفغاني يقول مثلاً: عجبت لك أيها الفلاح، كيف تشق الأرض بفأسك ولا تشق بها قلب ظالميك. حتى القرآن يصف أخوين أحدهما عنده 99 نعجة والثاني له واحدة. الأول يريد الاستيلاء على نعجة أخيه. الأول لديه كل شيء والثاني ليس لديه شيء. إنّ أغنى أغنياء العالم من أمتنا وأفقر فقراء العالم من أمتنا أيضاً. هذا ما جعل اليسار الإسلامي يخاطب قلوب الناس.

 

 

تدريس العلوم العقلية في الجامعات

وفي سياق آخر، دعا المفكر المصري إلى تدريس العلوم العقلية في الجامعات، منوهاً إلى "أننا أكثرنا في جامعاتنا من تدريس العلوم النقلية؛ لكن أين العلوم العقلية؟ لماذا نخشى من تناول العلوم النقلية ونتركها في أفواه الخطباء والدعاة وكل من يريد أن يتاجر بـ"قال الله وقال الرسول"؟

حسن حنفي: "اليسار الإسلامي" مجرد طرح نظري استدعاه الخصام الأيديولوجي والصراع السياسي في الوطن العربي

وتابع: لقد وضعت كتابي "من النقل إلى العقل" لكي أحاول أن أعيد بناء هذه العلوم الخمسة ليس باعتبارها علوماً عقلية خالصة، ولكن على الأقل باعتبارها علوماً تجمع بين العقل والنقل. صحيح أنّ القدماء تكلموا فيها ولكن ما يهمني أنا ليس الوحي وجبريل وكيف نزل على الرسول. ما يهمني فيها هو أسباب النزول. فالوحي لم ينزل إلا بناءً على سبب. "ويسألونك عن الأنفال" أي في كيفية توزيع الغنائم فتنزل الآية لتنظيم الأمر. الأشياء العامة هي التي سأل عنها الناس وقتها، أما الأشياء التي لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها مثل: "ويسألونك عن الروح" فهذه تمثل القيمة الإيمانية، لذلك ليس من الملائم الإفراط في الأسئلة حولها. لكن هذا للأسف ما يحدث الآن. نسأل عن كل شيء غيبي عن عذاب القبر وعن الروح وعن كل شيء ونختلف ونُكفِّر ونخرج عن الدين، في الوقت الذي يجب أن تكون أسئلتنا عن الأشياء التي تهمنا.. الفقر والاستبداد والاحتلال والغش والنهب والسلب وغلاء الأسعار وتفتيت الأمة والحروب الأهلية بين أعراقها. هذا هو التحدي.

الثقافة المغربية لا تتحمل إلا نجماً واحداً

وبسؤاله عن منجز مفكري اليسار الإسلامي؛ محمد عابد الجابري، ومحمد أركون، وعبدالله العروي وغيرهم، وما الانتقالة التي يراها تحققت في العقل العربي بعد مرور كل هذه السنين، أجاب حنفي بأنّ الثقافة المغربية بطبيعتها لا تتحمل إلا نجماً واحداً. هي ثقافة البطل الواحد. فكان عبدالله العروي أولهم بعد محمد عزيز الحبابي. الأول في الشخصانية والثاني في الماركسية. ثم جاء محمد عابد الجابري فأزاح هذين النجمين وأخذ مكانهما. والآن بعد أن رحل الجابري جاء طه عبدالرحمن ليملأ الفراغ بالعقل الكوثري.

المفكر طه عبدالرحمن

وهناك آخرون، لكن طه عبدالرحمن هو "أشجعهم وأبلغهم". أما من ناحية التقييم فإنّ "نقد العقل العربي" للجابري فيه صدى لـكانط في كتابه "نقد العقل الخالص" و"تكوين العقل العربي وبنيته" فيه صدى للمنهج البنيوي كما يعترف الجابري في المقدمة. تكلم الجابري عن العقل الأخلاقي من دون تكوين أو بنية، ثم عن العقل السياسي، وقال لي: إنه كان يريد أن يكتب جزءاً خامساً عن العقل العلمي وجزءاً سادساً يختم به دراسته عن العقل الغربي. لكنه لم يستطع، وشعر بأنه ما يزال في ثقافة مغاربية إسلامية لا تستسيغ كثيراً موضوع العقل الغربي، وبخاصة أن هناك من الأمازيغ أي من البربر، وهم الذين فتحوا الأندلس، من يرى في ذلك رنة عرقية.

واعتبر حنفي أنّ الجابري لم يستطع إكمال مشروعه، ونظراً لأنه يعيش في بيئة إسلامية كتب تفسيراً تقليديّاً للقرآن الكريم من الفاتحة إلى الناس في ثلاثة أجزاء صدرتْ أخيراً، ولا يعلم أحد عنها شيئاً. وزاد حنفي: "قابلت الجابري وتحدثت إليه وقرأته ضمن حوار المشرق والمغرب، وتأكدت أنه لم يكن لديه مشروع منذ بداية حياته".

الصفحة الرئيسية