السودان: حالة المدنيين تحت الحصار والنيران وتوتر بين الأمم المتحدة والجيش

هدنة إنسانية ليوم واحد... حالة المدنيين تحت الحصار والنيران وتوتر بين الأمم المتحدة والجيش السوداني

السودان: حالة المدنيين تحت الحصار والنيران وتوتر بين الأمم المتحدة والجيش


11/06/2023

يعاني المدنيون في كل أنحاء السودان، وفي العاصمة الخرطوم ودافور (غرب السودان) ـ منذ اندلاع الحرب ـ من أوضاع إنسانية شديدة الوطأة ومن أوضاع أمنية هشّة نتيجة لغياب غير مفهوم لجهازي الشرطة والأمن وانشغال القوات المسلحة بالحرب الدائرة.

وبعد فشل (11) هدنة إنسانية نتجت عن (إعلان جدة) برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في أيار (مايو) الماضي، حين اتفق الطرفان على تحقيق الالتزامات الأساسية بموجب القانون الدولي الإنساني لتيسير العمل الإنساني من أجل تلبية احتياجات المدنيين، وأكدا التزامهما الراسخ بسيادة السودان والحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه"؛ عاد وفد الجيش إلى المفاوضات بعد أن انسحب منها في وقت سابق ليوافق على الهدنة الـ (12)، والتي استمرت (24) ساعة فقط، من السادسة صباح السبت إلى السادسة صباح الأحد.

وساد هدوء نسبي العاصمة السودانية الخرطوم صباح السبت مع دخول الساعات الأولى من الهدنة القصيرة، التي جاءت أعقاب سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار انتهكها طرفا الصراع.

منذ انقلاب 2021

ويعاني السودانيون أوضاعاً إنسانية خطيرة منذ انقلاب 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وقد وثق مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان بالسودان، منذ ذلك الوقت حتى نشوب الحرب في 15 نيسان (أبريل) الماضي، مقتل ما لا يقل عن (125) شخصاً في سياق الاحتجاجات، من بينهم امرأة و(24) طفلاً، بينهم طفلتان، وأُصيب (221) آخرون.

وأدى اندلاع القتال في الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى تردٍّ كبير في حالة حقوق الإنسان وحماية المدنيين، وأسفر عن نزوح أكثر من (1.9) مليون شخص، عبر أكثر من (400) ألف منهم الحدود إلى البلدان المجاورة.

يعاني المدنيون في كل أنحاء السودان منذ اندلاع الحرب من أوضاع إنسانية شديدة الوطأة

وقال الهلال الأحمر السوداني: إنّ القتال المستمر في السودان، في الخرطوم ودارفور، أرغم المتطوعين على دفن (180) قتيلاً انتُشلت جثثهم من مناطق القتال، من دون التعرف على هوياتهم.

وقال الهلال الأحمر في بيان: إنّه منذ اندلاع القتال في 15 نيسان (أبريل)، دفن متطوعون (102) جثة مجهولة الهوية في مقبرة الشقيلاب بالعاصمة، و(78) جثة أخرى في مقابر بدارفور.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية عن مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها، فإنّ أكثر من (1800) شخص قُتلوا منذ اندلاع القتال، وقالت  وكالات إغاثة إنّها تُرجح أن يكون عدد القتلى الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، لوجود جثث في مناطق لا يمكن الوصول إليها.

الهلال الأحمر السوداني: القتال المستمر في السودان، في الخرطوم ودارفور، أرغم المتطوعين على دفن (180) قتيلاً انتُشلت جثثهم من مناطق القتال، من دون التعرف على هوياتهم

وقال الهلال الأحمر السوداني الذي يتلقى الدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر: إنّ متطوعيه وجدوا صعوبة في التنقل بالشوارع لانتشال الجثث بسبب القيود الأمنية.

وقطعت المياه عن أحياء بأكملها في العاصمة، ولا تتوفر الكهرباء سوى لبضع ساعات في الأسبوع، وتوقفت ثلاثة أرباع المستشفيات في مناطق القتال عن تقديم خدماتها.

وقد تعرضت البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمنازل والمتاجر والمساجد، لهجمات عشوائية بالطيران والمدفعية الثقيلة والقذائف والمتفجرات ممّا أدى إلى دمار واسع النطاق، وعرقلة خطوات الانتقال إلى حكم مدني بعد مرور (4) أعوام على انتفاضة شعبية أطاحت بالرئيس عمر البشير.

شلل تام

وبحسب تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، فإنّ الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في السودان باتت في حالة مزرية، فقد أدّى القتال إلى توقف الأنشطة الاقتصادية، فأغلقت المحالات التجارية أبوابها وكذلك الطرق والمطارات، ممّا أثر على حركة السلع والخدمات والأشخاص في جميع أنحاء البلاد وعزل أجزاء كبيرة منها عن بعضها بعضاً، ووصلت أسعار السلع والخدمات عنان السماء، وأصبح الحصول عليها أمراً مستحيلاً بالنسبة إلى قطاع واسع من ذوي الدخول المحدودة والعمال والموظفين؛ ممّا فاقم من حوادث النهب والسرقة من أجل الحصول على لقمة العيش.

تعرضت البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمنازل والمتاجر والمساجد، لهجمات عشوائية

كل ذلك أفضى إلى تدهور مريع في الحالة الإنسانية، وبات العمل في هذه البيئة المتدهورة غير الآمنة أمراً شبه مستحيل بالنسبة إلى منظمات وجمعيات الإغاثة والعمل الإنساني الدولية والمحلية، خاصة بعد أن تم نهب الكثير من الأصول المملوكة لهذه المنظمات وحالات الاعتداء على موظفيها مع بداية الحرب،  وبلغت الاحتياجات الإنسانية مستويات قياسية بعد الحرب، وتُقدّر الأمم المتحدة أنّ ما مجموعه (25) مليون سوداني (أكثر من نصف عدد سكان البلاد) بحاجة ماسّة إلى المساعدات الإنسانية العاجلة.

بين الإخوان والأمم المتحدة

وبينما تتفاقم الأزمة الإنسانية في هذا البلد الذي يشهد قتالاً عنيفاً منذ منتصف نيسان (أبريل)، أعلنت الأمم المتحدة أنّها تقدِّر حجم المساعدات التي يحتاج إليها السودان في المجال الإنساني بأكثر من (3) مليارات دولار، وقالت الأمم المتحدة إنّها تحتاج إلى (2.6) مليار دولار -مقابل 1.75 مليار دولار في تقديرات كانون الأول (ديسمبر)، وأشارت إلى حاجتها إلى (470.4) مليون دولار إضافية للّاجئين الذين فرّوا من البلاد.

من جهة أخرى، قالت الأمم المتحدة يوم الجمعة إنّ مبدأ الشخص غير المرغوب به لا يمكن تطبيقه على مبعوثي الأمم المتحدة، بعد أن أعلن الجيش السوداني أنّ مبعوث الأمم المتحدة الخاص فولكر بيرتس غير مرحب به في البلاد.

على مدى أشهر تظاهر مئات الأشخاص التابعين لجماعة الإخوان المسلمين من أنصار النظام السابق، الذين يظهرون دعماً لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ضد بيرتس وما يصفونها بالتدخلات في الشأن السوداني

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك يوم الجمعة: إنّ "الأمين العام يذكر أنّ مبدأ الشخص غير المرغوب به لا ينطبق على موظفي الأمم المتحدة، وأنّ اللجوء له يتعارض مع التزامات الدول بموجب ميثاق الأمم المتحدة". وأضاف:  "إنّ المبعوث موجود حالياً في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا".

وكان مجلس الأمن الدولي قد اعتمد في حزيران (يونيو) 2020 قراره رقم (2524) بتشكيل بعثة أممية لدعم الانتقال في السودان تحت البند السادس، وحدد مجلس الأمن مهام بعثة (يونيتامس) بالمساعدة على انتقال السودان إلى الحكم الديمقراطي، ودعم حماية وتعزيز حقوق الإنسان والسلام المستدام بعد عام على سقوط الرئيس عمر البشير، وقد مددت مهمة البعثة كل عام لمدة عام واحد.

 تتفاقم الأزمة الإنسانية في هذا البلد الذي يشهد قتالاً عنيفاً منذ منتصف نيسان (أبريل)

وعلى مدى أشهر تظاهر مئات الأشخاص التابعين لجماعة الإخوان المسلمين من أنصار النظام السابق، الذين يظهرون دعماً لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ضد بيرتس وما يصفونها بالتدخلات في الشأن السوداني.

ويعتقد أنصار التحول المدني الديمقراطي في السودان على نطاق واسع أنّ قيادة الجيش، مُمثلة في المكوّن العسكري بمجلس السيادة، أصبحت أداة طيعة بيد إسلاميين مؤيدين لنظام عمر البشير، وأنّهم يديرون الحرب في الخرطوم الآن، وأنّهم يقفون بجانب عودة رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى البلاد، واستئناف مسيرة التحول الديمقراطي، وبذل الجهود في إيقاف الحرب الدائرة الآن. 

مواضيع ذات صلة:

كيف تؤثر عقوبات واشنطن على الصراع السوداني؟

العراق: أزمة الكهرباء تحرج حكومة السوداني... ما دور واشنطن وطهران؟

كارثة إنسانية مرتقبة في السودان بعد تعليق محادثات جدة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية