على ضوء "مبادرة إيغاد" لوقف حرب الخرطوم... كيف نقرأ الدور الأفريقي في حلحلة النزاعات السودانية؟

على ضوء "مبادرة إيغاد" لوقف حرب الخرطوم... قراءة في الدور الأفريقي في حلحلة النزاعات السودانية

على ضوء "مبادرة إيغاد" لوقف حرب الخرطوم... كيف نقرأ الدور الأفريقي في حلحلة النزاعات السودانية؟


14/06/2023

يتصاعد الجدل حول مدى إمكانية نجاح أو فشل مبادرة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) لنزع فتيل الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والحيلولة دون تحولها إلى حرب أهلية شاملة، حيث انتهت قمة الهيئة التي التأمت في جيبوتي الإثنين إلى تشكيل لجنة رباعية برئاسة كينيا لمتابعة الملف السوداني، وتنظيم لقاء مباشر بين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، من أجل التوصل إلى حل نهائي للأزمة، على أن يُشرع في إدارة حوار وطني لبحث أزمة البلاد يضم قوى مدنية خلال (3) أسابيع.

وكشف بيان منسوب إلى وزارة الخارجية السودانية صدر الثلاثاء عن اعتراض الجيش على رئاسة كينيا للجنة الرباعية المكونة بجانبها من (إثيوبيا والصومال وجنوب السودان)، وإحلال جنوب السودان بديلاً عنها.

ثمار (إيغاد) المتوقعة

سمحت (إيغاد) باستضافة النائب الجديد لرئيس مجلس السيادة مالك عقار، ممثلاً للحكومة السودانية، رغم قرار الاتحاد الأفريقي الصادر في تشرين الأول (أكتوبر) 2021 بتعليق مشاركة السودان في جميع الأنشطة بالاتحاد، عقب انقلاب قائد الجيش على الحكومة المدنية التنفيذية برئاسة عبد الله حمدوك، كما راجت تسريبات بمشاركة يوسف عزت (الماهري) مستشار قائد قوات الدعم السريع في قمّة جيبوتي.

سمحت (إيغاد) باستضافة النائب الجديد لرئيس مجلس السيادة مالك عقار ممثلاً للحكومة السودانية

وأشار الرئيس الكيني وليام روتو، رئيس رباعية (إيغاد)، إلى أنّ لجنته ستشرع خلال (3) أسابيع من تاريخ طرح المبادرة في إدارة حوار وطني سوداني من أجل إنهاء الأزمة الحالية، وأنّ المبادرة ستعمل على ترتيب لقاء بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، وقادة دول جنوب السودان وكينيا وإثيوبيا وجيبوتي، ودعا مالك عقار إلى إنهاء الحرب ووقف القتال، وتوفير وصول آمن للمساعدات الإنسانية، ورحب بخارطة الطريق التي قدّمها رئيس المفوضية الأفريقية موسى فكي الذي حذّر من مغبة انزلاق بلاده إلى حرب أهلية؛ ممّا سيفضي إلى انهيار الدولة السودانية، إذا استمرت الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع.

المحاولة الحاسمة

يقول مراقبون: إنّ محاولة إنهاء حرب بين قوتين عسكريتين شبه متكافئتين، كانت إحداهما جزءاً من الأخرى إلى ما قبل شهرين فقط من تاريخ اندلاع القتال بينهما 15 نيسان (أبريل)، أمر شديد التعقيد والصعوبة، لكنّ إمكانية نجاحها ستظل متوفرة، خاصة إذا ما قرأنا التجربة والخبرة الأفريقية الكبيرة في المساعدة في حلحلة النزاعات والحروب الأهلية في السودان التي بدأت قبيل إعلان الاستقلال عام 1956.

ما يُشاع عن عدم قدرة أفريقيا وقادتها على جمع الفريقين المتحاربين في السودان، تظل محض فرضية لا سند لها

ويؤكدون أنّ جميع الحروب الأهلية التي دارت رحاها في السودان وضعت أوزارها باتفاقيات سلام عبر وسطاء أفريقيين وليسوا من خارج القارة، وأنّ ما يُشاع عن عدم قدرة أفريقيا وقادتها على جمع الفريقين المتحاربين في السودان، تظل محض فرضية لا سند لها، فبدءاً من آذار (مارس) 1972 تمكن الإمبراطور الإثيوبي الراحل هايلي سلاسي من إسكات البندقية السودانية التي دوّت في جنوب البلاد منذ عام 1955، عندما نجح في جمع الرئيس السابق جعفر النميري بزعيم المتمردين الجنوبيين، ورئيس حركة (أنانيا) جوزيف لاغو، ليوقعا اتفاقية سلام استمرت زهاء (11) عاماً، قبل أن يخرقها النميري بتقسيم الجنوب إلى (3) أقاليم، وإعلان الشريعة الإسلامية بإيعاز من جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في (جبهة الميثاق) وزعيمها حسن عبد الله الترابي، لتندلع الحرب مجدداً بتمرد بعض الضباط الجنوبيين بالقوات المسلحة السودانية، برئاسة جون قرنق، وإعلانهم عن الجيش الشعبي لتحرير السودان عام 1983.

هذه الحرب نفسها لم تنته إلّا بوساطة أفريقية تحت رعاية (إيغاد) ومساندة دولية، فقد أبرمت الحكومة السودانية ممثلة في حزب الإخوان المسلمين (المؤتمر الوطني)، والحركة الشعبية لتحرير السودان، في كانون الأول (ديسمبر) 2005 بضاحية نيفاشا في كينيا، ما عرفت باتفاقية السلام الشامل لتنهي الوساطة الأفريقية حرباً أهلية استمرت زهاء (22) عاماً، قبل أن تؤول الأمور لاحقاً إلى انفصال جنوب السودان في 9 تموز (يوليو) 2011، بموجب مادة تضمنها الاتفاق تعطي حق تقرير المصير لشعوب جنوب السودان.

سلام دارفور (أبوجا) وسلام الشرق (أسمرا)

 في عام 2003 اندلع نزاع مسلح ضارٍ بين حكومة المؤتمر الوطني (إخوان) وحركتين متمردتين عليها؛ أولاهما حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور ومني أركو مناوي، وهي حركة تدعو إلى علمانية الدولة، وثانيتهما حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم، وهو إسلامي إخواني كان أميراً للمجاهدين الإخوان في حرب جنوب السودان، قبل أن يتمرد على تنظيمه ويطلق حركة مقاومة مسلحة انتهت بمقتله ومقربين منه بصاروخ أطلق من طائرة حربية في25  كانون الأول (ديسمبر) 2011.

جميع الحروب الأهلية التي دارت رحاها في السودان وضعت أوزارها باتفاقيات سلام عبر وسطاء أفريقيين وليسوا من خارج القارة،

قبل ذلك بأعوام، في 5 أيار (مايو) 2006، تمكنت وساطة أفريقية بقيادة نيجيريا من إبرام اتفاق (سلام دارفور) المعروف إعلامياً باتفاق (أبوجا)؛ بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم حينها، وأحد قادة حركة جيش تحرير السودان، وأصبح مني أركو مناوي بموجبه كبيراً لمساعدي الرئيس السابق عمر البشير، قبل أن يعود إلى التمرد مجدداً بحجة نكوص الحكومة عن تطبيق بنود الاتفاق.  

وفي 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2006 تمّ في العاصمة الإريترية أسمرا توقيع اتفاقية سلام الشرق بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم وجبهة الشرق المتمردة عليه، لتنهي (13) عاماً من العمل المسلح، وتأتي بزعيم الجبهة موسى محمد أحمد مساعداً للرئيس السوداني المعزول عمر البشير.  

درء الانقلاب الأول

وعقب إطاحة البشير عن السلطة، وبعد ارتكابه ما عُرف بمجزرة فضّ الاعتصام في 3 حزيران (يونيو) 2019، أعلن المجلس العسكري الانتقالي في السودان، على لسان رئيسه عبد الفتاح البرهان، إلغاء الاتفاق مع تجمع المهنيين السودانيين، الذي كان يقود الحركة الاحتجاجية في جميع أنحاء البلاد، ودعا إلى انتخابات خلال فترة لا تتجاوز (9) أشهر، وقد عدّه مراقبون انقلاباً على الثورة ومحاولة لإعادة الإخوان المسلمين إلى السلطة مجدداً، ولولا تدخل الاتحاد الأفريقي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي والضغط على المجلس العسكري، لما عاد إلى التفاوض مع القوى المدنية وقوى الثورة، وتم التوقيع على الوثيقة الدستورية التي جاءت بعبد الله حمدوك رئيساً للوزراء وبالبرهان رئيساً لمجلس السيادة، قبل أن يطيح الثاني بالأول في انقلاب 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021.

جهود ناجحة

لم تتوقف جهود دول القارة الأفريقية الناجحة في الوصول بأطراف النزاعات الداخلية السودانية إلى اتفاقيات سلام، فتولت دولة جنوب السودان ورئيسها سلفا كير ميارديت ملف المفاوضات بين بعض فصائل الجبهة الثورية المعارضة والحكومة الانتقالية، ونجحت في إبرام اتفاق سلام جوبا في 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2020، والذي ما يزال مستمراً حتى الآن، رغم اندلاع الحرب بين قيادة الجيش وقوات الدعم السريع، حيث يتولى رئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي منصب حاكم إقليم دارفور، ويتولى رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم وزارة المالية، ويديرها الآن من مدينة بورتسودان شرقي البلاد، بعد تعذر العمل في العاصمة الخرطوم.

مواضيع ذات صلة:

كيف تؤثر عقوبات واشنطن على الصراع السوداني؟

العراق: أزمة الكهرباء تحرج حكومة السوداني... ما دور واشنطن وطهران؟

كارثة إنسانية مرتقبة في السودان بعد تعليق محادثات جدة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية