لماذا تهدد إسرائيل بقطع رواتب الأسرى الفلسطينيين؟

لماذا تهدد إسرائيل بقطع رواتب الأسرى الفلسطينيين؟


03/12/2020

ليس غريباً أن تلاحق سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأسرى الفلسطينيين داخل السجون وخارجها، حتى تجلّت العنصرية الإسرائيلية بأبشع صورها في ملاحقتهم بلقمة عيشهم، بهدف تضييق الخناق عليهم وعلى عائلاتهم، بذريعة أنّ رواتبهم التي تصرفها السلطة الفلسطينية لهم هي لدعم الإرهاب، حتى وصل الأمر بالسلطات الإسرائيلية إلى تهديد البنوك الفلسطينية بمقاضاتها، بعد وصفها بأنّها مشاركة في قتل الإسرائيليين في حال مواصلتها دفع رواتب الأسرى والشهداء الفلسطينيين.

اقرأ أيضاً: تهديد إسرائيلي بجلب مليون مستوطن شمال الضفة الغربية

ووفق هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين؛ فقد بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين القابعين بداخل السجون الإسرائيلية؛ 4 آلاف و400 أسير، من بينهم 155 أسيراً من الأطفال، و39 أسيرة فلسطينية، و350 أسيراً يواجهون الاعتقال الإداري، فيما يقضي 570 أسيراً أحكاماً بالسجن المؤبد.

السلطة الفلسطينية تستطيع اتّباع طرق أخرى لصرف رواتب الأسرى، بعيداً عن إقحام المصارف الفلسطينية في حال فشلت الحلول السياسية في حلّ هذه المشكلة

وأقرّ الكنيست، خلال الفترة بين عامّي 2015 و2017، عشرة قوانين تتعلق بالأسرى، وتشديد العقوبات عليهم، ومن ضمن تلك القوانين التي أقرها الكنيست؛ قانون "احتجاز جزء من المستحقات المالية للسلطة الفلسطينيةعام 2017، وإثر ذلك؛ احتجزت إسرائيل، في 7 شباط (فبراير)2019، مبلغ 138 مليون دولار من تحويلات الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية؛ بسبب دفعها مخصصات مالية إلى عائلات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

ويعرّض الأمر العسكري الإسرائيلي، الذي صدر عن قائد الجيش بالضفة الغربية، في أيار (مايو) الماضي، البنوك العاملة فيها لعقوبات ودعاوى قضائية واعتقال واحتجاز أموال، في حال استمرت بإدارة حسابات مصرفية تستخدَم لدفع رواتب الأسرى والمحرَّرين، وإثر ذلك خاطبتت جمعية البنوك في فلسطين وزير المالية ومحافظ سلطة النقد الفلسطينيّ رسمياً، بتاريخ 7 أيار (مايو) 2020م، وطالبتهم بوقف تحويل أيّة مبالغ لحسابات الأسرى والشهداء.

ويبلغ عدد حسابات الأسرى والمحررين وذوي الشهداء، بحسب الإحصائيات الرسمية، قرابة 25 ألف حساب، موزّعة بواقع 19 ألف حساب للأسرى والمحرَّرين، و6 آلاف حساب لذوي الشهداء، فيما يعمل في السوق الفلسطينية 14 بنكاً محلياً ووافداً، منها 7 محلية و7 وافدة.

اقرأ أيضاً: "أسرلة" التعليم في القدس لتشويه الهوية الفلسطينية وطمسها

وتعرّض القطاع المصرفي الفلسطيني لعدة اعتداءات من قبل الاحتلال، كان أبرزها ما حصل في شباط (فبراير) 2004، حينما اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدة فروع لـ "البنك العربي"، و"بنك القاهرة عمّان" في رام الله، وحجزت الموظفين، وصادرت حينها أموالاً قُدّرت بـ 10 ملايين دولار، تعود لقرابة 400 حساب مصرفي، وزعم الاحتلال حينها أنّ تلك الأموال تستخدم لأغراض "إرهابية"، والمقصود هنا إعالة أسر الشهداء والأسرى.

عقوبات على البنوك الفلسطينية

ولا يستبعد وزير التخطيط والعمل الأسبق، د.سمير عبد الله، أن تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي عقوبات على البنوك الفلسطينية، كما حصل مع عدد منها قبل عدة سنوات بالضفة الغربية، مبيناً أنّ اتّفاق باريس حدّد العلاقة بين سلطة النقد الفلسطينية وإسرائيل؛ حيث لا تعترف الأخيرة بها وترفض التعامل معها، وحاولت بشتّى الطرق معاقبة البنوك الفلسطينية من خلال منع البنوك الإسرائيلية من استقبال فائض الشيكل أو استلامه، ليتمّ إيداعه بداخلها، وهو ما تسبّب بخسائر باهظة للبنوك الفلسطينية".

وزير التخطيط والعمل الأسبق، د.سمير عبد الله

ويضيف عبد الله، في حديثه لـ "حفريات": "ادّعاءات الاحتلال بأنّ صرف البنوك الفلسطينية لرواتب الشهداء والأسرى يأتي ضمن دعم الإرهاب هي اتهامات خطيرة، تأتي لكسب التأييد الدولي نحو أية إجراءات من المتوقع أن تتخذها إسرائيل بحق المصارف الفلسطينية"، مشيراً إلى أنّ "إعلان السلطة نيّتها دفع رواتب الأسرى والمحرَّرين والشهداء عبر بنك الاستقلال، وهو بنك محلّي يشبه في تعاملاته بنك البريد، ويقدم خدمات مصرفية محدودة فقط، ولا يستطيع إجراء أيّة تحويلات خارجية، هو حلّ متوقّع في ظلّ الظروف الحالية، لتجنيب البنوك الفلسطينية التعرض لأيّة عقوبات إسرائيلية".

حلول أخرى

وأوضح أنّ "السلطة الفلسطينية تستطيع اتّباع طرق أخرى لصرف الرواتب، بعيداً عن إقحام المصارف الفلسطينية في حال فشلت الحلول السياسية في حلّ هذه المشكلة؛ بصرفها من خلال الإيرادات المحلية التي تستلمها وزارة المالية برام الله، وكذلك عن طريق تفعيل بنك البريد، وذلك بهدف قطع الوسائل الكفيلة، التي من شأنها أن تعرّض البنوك الفلسطينية لأيّة مبررات إسرائيلية وأمريكية لفرض عقوبات عليها".

القيادي في حركة فتح نشأت الوحيدي لـ"حفريات": الأسرى الفلسطينيون داخل السجون الصهيونية يتعرضون لهجمة إسرائيلية ممنهجة تستهدف إرادتهم وحياتهم وحقوقهم الإنسانية بمختلف ألوانها

وحول إمكانية أن تلزم السلطة الفلسطينية البنوك الفلسطينية بإغلاق حسابات الأسرى والمحررين والشهداء؛ أكّد الوزير الفلسطيني الأسبق؛ أنّ "البنوك لن تنتظر أيّ قرار في حال شعرت بأيّ خطر يهدّد تعاملاتها المصرفية، وستلجأ لإغلاق هذه الحسابات من تلقاء نفسها، في محاولة للتخلص من أيّة عقوبات إسرائيلية متوقعة".

اقرأ أيضاً: محاولات حثيثة لجعل القدس "قلب دولة إسرائيل والشعب اليهودي"

ويرى مدير مركز الدفاع عن الحريات "حريات"، حلمي الأعرج؛ أنّ "القرار العسكري الإسرائيلي هو تدخل سافر في الشؤون الفلسطينية الداخلية، ومحاولة لوصم نضال الأسرى الفلسطينيين والشهداء بالإرهاب لملاحقتهم وعائلاتهم في قوت يومهم، وهو يعدّ من أخطر القرارات العسكرية التي اتخذتها السلطات الصهيونية بحقّهم، لملاحقتهم حتى النهاية"، مشيراً إلى أنّ "التهديد بفرض عقوبات على البنوك الفلسطينية ودفعها لإغلاق حسابات الأسرى والشهداء والمحررين، حتى نهاية العام الحالي 2020، قد يعرّضها لعمليات قرصنة إسرائيلية في حال رفضت القرار؛ كملاحقتها قضائياً، واقتحامها، وسرقة الأموال منها".

مدير مركز الدفاع عن الحريات "حريات"، حلمي الأعرج

وتابع الأعرج، لـ "حفريات": "السلطة الفلسطينية لجأت لحلول خلّاقة لتبقي على مكانة وكرامة الأسرى والشهداء الفلسطينيين، تجنباً لتعريض البنوك الفلسطينية لأيّة عقوبات إسرائيلية، في إطار مجابهة القرار العسكري الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، عبر استيعاب 7 آلاف أسير وأسيرة محررة على قيود السلطة الوطنية الفلسطينية في الوظائف المدنية والعسكرية، وهي خطوة شهدت قبولاً وترحيباً من قبلهم".

تضليل الرأي العام العالمي

وأوضح الأعرج؛ أنّ "المعضلة حالياً تتعلق برواتب وحقوق الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، والذين يعدّون خطاً أحمر، والمساس بهم يعدّ بمثابة تسليم بالضغوط الصهيونية والأمريكية"، مؤكّداً أنّ "الشعب الفلسطيني ومؤسساته الوطنية تلتفّ حول قضية الأسرى لعدم المساس بمكانتهم الوطنية والسياسية، ولتكفل لهم، ولعائلاتهم، الكرامة وحقوقهم المعيشية والاجتماعية".

اقرأ أيضاً: لماذا تغزو شركات الاتصالات الإسرائيليّة السوق الفلسطينيّة؟

وبيّن الأعرج؛ أنّ "الاحتلال الإسرائيلي يحاول تضليل الرأي العام العالمي والتأثير عليه، وإظهار أنّ ما تقوم به بعض دول الاتحاد الأوروبي بدفع رواتب الأسرى يأتي مكافأة على ما قاموا به من عمليات قتل للإسرائيليين"، مؤكداً أنّه "تمّ التأكيد على الأوروبيين من خلال عدة لقاءات مباشرة جرت معهم؛ أنّ الادعاءات الإسرائيلية غير صحيحة، وأنّ الأسير يحصل على راتبه بناء على المدة التي يقضيها بالمعتقل، لا على الحكم الذي يصدر بحقه".

اقرأ أيضاً: قرية فلسطينية تستعين بكاميرات مراقبة لردع المستوطنين الإسرائيليين

من جهته، يقول الناطق باسم مفوضية الشهداء والأسرى والجرحى بالهيئة القيادية العليا لحركة فتح، نشأت الوحيدي: "الأسرى الفلسطينيون داخل السجون الصهيونية يتعرضون لهجمة إسرائيلية ممنهجة تستهدف إرادتهم وحياتهم وحقوقهم الإنسانية بمختلف ألوانها، بدءاً من الاعتقال الإداري، ووصولاً إلى القرصنة وسرقة مخصصات الأسرى والمحررين والشهداء، بفعل الأوامر العسكرية التي تتنافى مع الأعراف والقوانين الدولية".

الناطق باسم مفوضية الشهداء والأسرى والجرحى بالهيئة القيادية العليا لحركة فتح، نشأت الوحيدي

وتابع: "الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس وزرائه محمد شتية، أكّدا خلال تصريحات سابقة؛ أنّ السلطة الفلسطينية ملتزمة بدفع رواتب الأسرى والمحررين والشهداء، مهما بلغت التهديدات الإسرائيلية"، مبيناً أنّ "الإشاعات التي تبثها وسائل إعلام صهيونية حول نية السلطة تحويل رواتب الأسرى والمحررين والشهداء ضمن مخصصات وزارة التنمية الاجتماعية غير صحيحة، وتأتي في إطار استهداف الوحدة الوطنية الفلسطينية، والنيل من صمود الأسرى الفلسطينيين".

اقرأ أيضاً: المستعربون: فرق موت إسرائيلية خفيّة تطارد الفلسطينيين

ولفت الوحيدي إلى أنّ "المصادر الإعلامية العبرية لن تكون في يوم من الأيام مصدراً موثوقاً لنا، كفلسطينيين"، مشيراً إلى أنّ "الوقت الحالي يتطلّب لملمة الأوراق الفلسطينية، وتحقيق الوحدة الوطنية، التي تعدّ الهدية الأجمل التي يمكن أن يقدمها الفلسطينيون للأسرى، والتي تتحطم فوقها كافة الأوامر والقرارات الإسرائيلية العنصرية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية