جولة جديدة من الحرب السودانية... تدمير الجسور والبنية التحتية بفتاوى "إخوانية"

جولة جديدة من الحرب السودانية... تدمير الجسور والبنية التحتية بفتاوى (إخوانية)

جولة جديدة من الحرب السودانية... تدمير الجسور والبنية التحتية بفتاوى "إخوانية"


19/11/2023

بحلول 15 تشرين الثاني (نوفمبر) أكملت الحرب السودانية شهرها الثامن متجهة نحو التاسع، دون جدوى، غير إشعال المزيد من (الحطب) عليها لتأجيجها، فقد استجابت قيادة الجيش، التي يعتقد على نطاق واسع أنّها مختطفة من قبل جماعة الإخوان المسلمين (حزب المؤتمر الوطني) المخلوع، لفتاوى صادرة عن شيوخ الجماعة ودعاوى ونداءات موجهة من إعلامها بضرب وتدمير البنية التحتية للعاصمة السودانية والمدن الأخرى كجزء من استراتيجية الحرب التي يخوضها الجيش ضد قوات الدعم السريع؛ ونتج عن ذلك تدمير جسر (شمبات) الرابط بين مدينتي أم درمان وبحري في 11 تشرين الثاني (نوفمبر)،  ظناً أنّ ذلك سيؤدي إلى تقويض خطوط إمداد وتعزيزات قوات الدعم السريع بين المدينتين، فيما توجهت الأخيرة جنوب الخرطوم لتبسط سيطرتها في 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، أي بعد يومين من تدمير الجسر، على اللواء الثالث مدرع وقاعدة النجومي الجوّية بمنطقة جبل أولياء الاستراتيجية المفتوحة على خطوط إمدادها في ولايتيّ دارفور وكردفان.

فتوى الجماعة التي بثتها قناة (طيبة) الإخبارية بأنّ تدمير البنية التحتية جزء من الاستراتجية العسكرية لحرب المدن، أفضت السبت 18 تشرين الثاني إلى تدمير جسر خزان جبل أولياء على النيل الأبيض ـ جنوب العاصمة

بطبيعة الحال، يُرجح على نطاق واسع أنّ الجيش هو من فعل ذلك، رغم اتهام الطرفين بعضهما بعضاً بتنفيذ العملية، التي لاقت استنكاراً ورفضاً كبيرين من قبل السودانيين، وذلك وفقاً لفتاوى جماعة الإخوان، التي تحاول عبثاً إكساب الحرب طابعاً دينياً، بعد أن فشلت في إكسابها طابعاً عرقياً، لكن يبدو هذا أمراً مستحيلاً لجهة كون جميع مقاتلي قوات الدعم السريع من المسلمين، وقوامهم من الجماعات العربية.

حرائق جرَّاء الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)

الجيش تأسره الفتوى 

لم تتوقف الفتاوى الحربية للجماعة عند هذا الحد، ولم تبدأ من هنا، فقد ظلت قيادة الجيش شديدة الاستجابة لهذه الفتاوى، حتى فيما يتصل بعلاقة السودان بالمجتمع الدولي والإقليمي، حيث أظهر الإخوان، وبالضرورة قيادة الجيش، عداءً سافراً وغير مبرر للاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) اللذين حاولا التوسط والتدخل لإيقاف الحرب السودانية، لكن تمّت مجابهتهما بخطاب عدائي وصل أعلى مراحله فيما عُرف بحرب البيانات بين الاتحاد الأفريقي ووزارة الخارجية السودانية التي تسيطر عليها الجماعة، ففي أيلول (سبتمبر) المنصرم، وبُعيد لقاء التأم بين رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، ومستشار قوات الدعم السريع يوسف عزت، أصدرت الخارجية السودانية بياناً شديد اللهجة رديء اللغة تندد فيه باللقاء، ممّا اضطرّ الناطق الرسمي باسم مفوضية الاتحاد الأفريقي إلى وصفه بالبيان المُنحط، ووضع العلاقة بين السودان والمنظمة القارية الكُبرى والمؤثرة على المحك. 

تدمير ممنهج

ظلت الجماعة من خلال قناة (طيبة) الفضائية التي تبث من تركيا، المملوكة للإخواني المتشدد عبد الحي يوسف، شديدة التأثير على قيادة الجيش السوداني، وعقب سيطرة قوات الدعم السريع على خزان وجسر منطقة جبل أولياء جنوب العاصمة السودانية، تواترت دعوات إخوانية لتدمير الجسر والخزان معاً للحيلولة دون حصول قوات الدعم السريع على الإمدادات، وحصارها في مناطق معزولة عن بعضها بعضاً، تمهيداً لإخراجها من العاصمة.

فتوى الجماعة التي بثتها قناة (طيبة) الإخبارية بأنّ تدمير البنية التحتية جزء من الاستراتجية العسكرية لحرب المدن، أفضت السبت 18 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى تدمير جسر خزان جبل أولياء على النيل الأبيض ـ جنوب العاصمة، الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع التي سارعت بإصدار بيان اتهمت فيه الجيش، ومن سمّتهم فلول حزب المؤتمر الوطني، بتدمير جسر الخزان، معتبرة ذلك "عملاً إرهابياً بامتياز وجريمة حرب مكتملة الأركان تكشف تمادي ميليشيات البرهان في استهداف البنى التحتية الحيوية والمرافق الإنسانية، في ظل صمت المجتمع الدولي والإقليمي وعدم إدانته لهذه الأفعال الإجرامية"؛ وفقاً للبيان نفسه.

من جهته، أصدر الناطق باسم الجيش السوداني بياناً مضاداً يتهم فيه قوات الدعم السريع بتدمير جسر خزان جبل أولياء الذي تسيطر عليه، كما كانت تسيطر على جسر شمبات أيضاً.

عناصر من قوات "الدعم السريع" السودانية (أ.ف.ب)

وقال بيان الجيش: إنّ من سمّاها الميليشيات المتمردة الإرهابية تواصل مشروعها التدميري للبلاد وتخريب بنيتها التحتية، فقد "تسبب قصفها المدفعي على مواقعنا بجبل أولياء فجر يوم 18 تشرين الثاني (نوفمبر) بتدمير جسر الخزان"، الأمر الذي أبدى مراقبون استغرابهم حياله، إذ ليس هناك ما يجعل قوات الدعم السريع تدمر جسرين تسيطر عليهما وتتخذهما سبيلين لإمدادها بالجنود والعتاد والمؤن، ورجحوا أنّ الجيش هو من يفعل ذلك، وينسبه إلى خصمه.

خزان جبل أولياء 

ويُخشى على نطاق واسع من أنّ العمليات العسكرية حول محيط الخزّان (السد) الذي تم إنشاؤه عام 1937 بطول (6680) متراً، وارتفاع (22) متراً من قاع النيل الأبيض، و(381.5) متراً من سطح البحر، وتحيط به ردميات لمسافة (3.7) كيلومترات غرباً. وتبلغ سعته التخزينية (3.5) مليارات متر مكعب، ستؤدي إلى تدميره بعد تسوية جسره بالأرض، ممّا قد يؤدي إلى فيضان هائل وإغراق قرى وبلدات ومزارع تمتد على مساحات شاسعة في محيطه، وتمدّ العاصمة الخرطوم وضواحيها بالخضروات والفواكه واللحوم البيضاء من الدواجن والأسماك.

دارفور على المحك

ليس ذلك فحسب، فعلى المستوى الدولي استجابت قيادة الجيش لضغط الإعلام الإخواني، فأعلنت أنّ رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس، منذ وقت مبكر من بداية الحرب، شخص غير مرغوب به؛ الأمر الذي أحدث شرخاً في علاقة الجيش بالأمم المتحدة، ولم يمضِ وقت طويل على ذلك حتى تقدم بيرتس باستقالته من منصبه، إلى أن أبلغ الجيش السوداني الخميس 16 تشرين الثاني (نوفمبر) مجلس الأمن رسمياً بإنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال (يونيتاميس) قائلاً: إنّها أخفقت في عملها وواجباتها المنصوص عليها في التفويض، وبعد ساعات قليلة من ذلك عيّن الأمين العام للأمم المتحدة الدبلوماسي الجزائري رمضان العمامرة مبعوثاً شخصياً له في السودان، وأعلن أنّ الأمم المتحدة ستواصل العمل بشكل وثيق مع جميع الأطراف الفاعلة، بما في ذلك السلطات السودانية وأعضاء مجلس الأمن.

تطورات الأيام الأخيرة في الداخل السوداني، وفي العلاقات الخارجية، تشي بأنّ أمد الحرب سيطول، وأنّ المعارك لن تتوقف في القريب العاجل، وأنّ أفق الحلّ التفاوضي أصبح في حكم المستحيل، خصوصاً بعد إعلان بعض الحركات الدارفورية (غرب السودان) المسلحة، الموقعة على اتفاق سلام (جوبا)، تخليها عن الحياد واصطفافها بجانب الجيش لمحاربة قوات الدعم السريع، واتجهت حركات متمردة أخرى إلى التحالف مع قوات الدعم السريع، وجاء ذلك عقب سيطرة الأخيرة على معظم إقليم دارفور وأجزاء واسعة من أقليم كردفان (غرب) في الأسابيع القليلة الماضية، ويرجح أن تشهد أقاليم غرب السودان جولة جديدة من حرب ضروس، حذّر منها الأمين العام للأمم المتحدة.  

مواضيع ذات صلة:

السودان... الحركة الإسلامية تلجأ إلى خيارات يائسة لوقف تقدم الدعم السريع

تحذيرات أممية: هذا ما يعانيه مدنيو السودان بسبب الحرب الدائرة منذ 7 أشهر

جماعة الإخوان السودانية ترفض "منبر جدة" للسلام وتدعو إلى التفاوض عبر البندقية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية